1669 - مسألة : ومن فهو حر ساعة يملكه ، فإن ملك بعضه [ ص: 187 ] لم يعتق عليه ، إلا الوالدين خاصة ، والأجداد والجدات فقط ، فإنهم يعتقون عليه كلهم - إن كان له مال يحمل قيمتهم فإن لم يكن له مال يحمل قيمتهم استسعوا . ملك ذا رحم محرمة
وهم كل من : ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب .
وكل من : ولده هو من جهة ولد أو ابنة ، والأعمام ، والعمات - وإن علوا كيف كانوا لأم أو لأب ، والأخوات والإخوة كذلك .
ومن نالته ولادة أخ أو أخت بأي جهة كانت .
ومن كان له مال وله أب أو أم أو جد أو جدة أجبر على ابتياعهم بأغلى قيمتهم وعتقهم إذا أراد سيدهم بيعهم ، فإن أبى لم يجبر السيد على البيع
وإن أو ملك ذا رحم غير محرمة - لكن بصهر أو وطء أب أو ابن - لم يلزمه عتقهم وله بيعهم إن شاء . ملك ذا محرم بغير رحم
وقالت طائفة : لا يعتق إلا من ولده ، من جهة أب أو أم ، أو من ولده هو كذلك ، أو أخ أو أخت فقط .
ولا يعتق العم ولا العمة ، ولا الخال ولا الخالة ، ولا من ولد الأخ أو الأخت - وهو قول . مالك
وصح عن ، وروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، ربيعة ، ومكحول ، ولم يصح عنهم ، ولا روي عنهم : أن من عدا هؤلاء لا يعتق . ومجاهد
وقالت طائفة : لا يعتق إلا من ولده من جهة أب أو أم ، ومن ولده هو كذلك ، ولا يعتق غير هؤلاء ، لا أخ وغيره - وهو قول . الشافعي
وقال : لا يعتق أحد على أحد . أبو سليمان
وقال الأوزاعي : يعتق كل ذي رحم محرمة كانت أو غير محرمة حتى ابن العم وابن الخال فإنهما يعتقان عليه ويستسعيهما .
قال : ما نعلم قول أبو محمد عن أحد قبله ، فإن ذكروا : أنه روي عن الشافعي أنه إذا ملك الوالد والولد عتق . إبراهيم
[ ص: 188 ] قلنا : نعم ، وقد صح عنه هذا أيضا في كل ذي رحم وليس في قوله " إذا ملك الوالد الولد عتق " أن غيرهما لا يعتق ، ولا نعلم له حجة إلا دعوى الإجماع على عتق من ذكرنا ، وهذه دعوى كاذبة فما يحفظ في هذه المسألة قول عن عشرين من صاحب وتابع - وهم ألوف - فأين الإجماع ؟ فإن قالوا : قال الله تعالى : { وبالوالدين إحسانا }
قلنا : أتموا الآية { وبذي القربى } فسقط هذا القول
واحتج المالكيون بقول الله تعالى في الوالدين : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } .
قالوا : ولا يمكن خفض الجناح والذل لهما مع استرقاقهما .
قالوا : وأما الولد : فإن الله تعالى يقول : { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } .
قالوا : فوجب أن الرق ، والولادة لا يجتمعان .
قالوا : وأما الأخ : فقد قال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام : { إني لا أملك إلا نفسي وأخي } .
قالوا : فكما لا يملك نفسه كذلك لا يملك أخاه .
وبما روينا من طريق نا زكريا بن يحيى الساجي نا أحمد بن محمد سليمان بن داود نا حفص بن سليمان - هو القارئ - عن محمد بن أبي ليلى عن عن عطاء { ابن عباس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مولى يقال له صالح اشترى أخا له مملوكا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد عتق حين ملكته } .
قال : وهذا أثر فاسد ; لأن أبو محمد ساقط ، حفص بن سليمان سيء الحفظ ، ولو صح لم يكن فيه إرقاق من عدا الأخ . وابن أبي ليلى
وأما احتجاجهم بقول الله تعالى : { إني لا أملك إلا نفسي وأخي } فتحريف للكلم عن مواضعه وتخليط سمج .
ولو كان هذا يحتج به من يرى أن الأخ يملك لكان أدخل في الشبهة ; لأن فيه [ ص: 189 ] إثبات الملك على الأخ والنفس ، ومن المحال أن يقع لأحد ملك رق على نفسه ، وليس محالا ملك أخيه وأبيه ، ولا يجوز قياس الأخ على النفس ; لأن الإنسان يصرف نفسه في الطاعة أو المعصية بقدر الله تعالى ويملك نفسه في ذلك ، كما قال موسى عليه الصلاة والسلام إنه يملك نفسه في الجهاد ، ولا يصرف أخاه كذلك ولا يطيعه ، ففسد هذا القياس البارد الذي لم يسمع قط بأسخف منه .
وأما قول الله تعالى : { وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } فلا يجوز ألبتة أن يستدل من هذا على عتق الابن ولا على أنه لا يملك ; لأن الله تعالى لم يدل على ذلك بهذه الآية ، وليس فيها إلا الخبر عنهم بما هم عليه من أنهم عبيد لا أولاد ، ولو كان ما قالوه لوجب عتق الزوجة والشريك - إذا ملكا - لأن الله تعالى انتفى عن الولد سواء سواء ، وأخبر أن الكل عبيده ولا فرق فسقط احتجاجهم جملة ، وبالله تعالى التوفيق .
وأما من قال : لا يعتق أحد على أحد فإنهم ذكروا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه
قال : هذا حجة عليهم ; لأن الله تعالى يقول : { أبو محمد أن اشكر لي ولوالديك } فافترض عز وجل شكر الأبوين وجزاؤهما هو من شكرهما ، فجزاؤهما فرض ، فإذ هو فرض ، وجزاؤهما لا يكون إلا بالعتق فعتقهما فرض ، وما نعلم لهم حجة غير ما ذكرنا .
ثم نظرنا : فيما احتج به الأوزاعي فوجدنا من حجته قول الله تعالى { وبالوالدين إحسانا وبذي القربى } .
قال : وهذا لا يوجب العتق ; لأن الإحسان فرض إلى العبيد ، ولا يقتضي ذلك عتقهم فرضا ، ولو وجب ذلك في ابن العم ، وابن الخال لوجب في كل مملوك ; لأن الناس يجتمعون في أب بعد أب إلى علي آدم عليه السلام ، ولا يجوز أن يخص بهذا ابن العم ، وابن الخال : دون ابن ابن العم وابن ابن الخال ، وهكذا صعدا ، فبطل هذا القول بيقين .
ثم نظرنا في قولنا فوجدنا ما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا [ ص: 190 ] عيسى بن محمد - هو أبو عمير الرملي - وعيسى بن يونس الفاخوري عن ضمرة بن سعيد عن عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } فهذا خبر صحيح كل رواته ثقات تقوم به الحجة - وقد تعلل فيه الطوائف المذكورة بأن ضمرة انفرد به وأخطأ فيه . من ملك ذا رحم محرم عتق
فقلنا : فكان ماذا إذا انفرد به ؟ ومتى لحقتم بالمعتزلة في أن لا تقبلوا ما رواه الواحد عن الواحد ، وكم خبر انفرد به راويه فقبلتموه ، وليتكم لا تقبلون ما انفرد به من لا خير فيه ، ، كابن لهيعة وجابر الجعفي ، وغيره .
فأما دعوى أنه أخطأ فيه فباطل ; لأنها دعوى بلا برهان وهذا موضع قبله الحنفيون وقالوا به ، ولم يروا انفراد به علة ، ثم أتوا إلى ما رويناه من طريق ضمرة عن ابن وهب عن الليث بن سعد عبيد الله بن أبي جعفر عن عن بكير بن الأشج عن نافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } فقالوا انفرد به من أعتق عبدا وله مال فماله له ، إلا أن يستثنيه السيد عبيد الله بن أبي جعفر وأخطأ فيه ، فيا للمسلمين إذا رأى المالكيون ، والشافعيون هذا الخبر صحيحا وعملوا به ، ولم يروا انفراد عبيد الله بن أبي جعفر به وقول من قال : إنه خطأ فيه حجة في رده وتركه ، ورأى الحنفيون انفراد عبيد الله بن أبي جعفر بهذا الخبر وقول من قال : إنه أخطأ فيه حجة في تركه ورده ، ولم يروا انفراد بذلك الخبر وقول من قال : إنه أخطأ فيه حجة في تركه ورده ، فهل من الدليل على التلاعب بالدين وقلة المراقبة لله تعالى أكثر من هذا ؟ ونعوذ بالله من الضلال باتباع الهوى . ضمرة
وقد روينا هذا الخبر أيضا : من طريق عن حماد بن سلمة عاصم الأحول عن وقتادة الحسن البصري عن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { سمرة بن جندب } فصحح الحنفيون هذا الخبر ورأوه حجة وقالوا : لا يضره ما قيل : أن من ملك ذا رحم محرمة فهو حر الحسن لم يسمع من سمرة ، والمنقطع تقوم به الحجة ، ثم أتوا إلى مرسل رويناه من طريق نا ابن أبي شيبة عن محمد بن بشر سعيد بن أبي عروبة عن عن قتادة الحسن عن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { سمرة بن جندب } فقالوا : لم يصح سماع عهدة الرقيق ثلاث الحسن من سمرة ، وهو منقطع لا تقوم به حجة .
وقلب المالكيون هذا العمل فرأوا رواية الحسن عن سمرة في عهدة الرقيق حجة لا يضره ما قيل : من أن الحسن لم يسمع من سمرة ، والمنقطع تقوم به الحجة ، ولم يروا [ ص: 191 ] خبر عتق ذي الرحم المحرمة حجة ; لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا ، والمنقطع لا تقوم به الحجة وفي هذا كفاية لمن عقل ونصح نفسه ؟ قال : فبطلت الأقوال إلا قولنا - ولله الحمد - وبه يقول جمهور السلف - : روينا من طريق أبو محمد الخشني نا محمد بن بشار نا - نا أبو عاصم - هو الضحاك ابن مخلد أبو عوانة عن عن الحكم بن عتيبة إبراهيم النخعي عن عن الأسود بن يزيد قال : من ملك ذا رحم محرم فهو حر . عمر بن الخطاب
وبه إلى نا بندار غندر نا ، شعبة ، قال وسفيان الثوري عن شعبة غيلان وقال سفيان عن ، كلاهما عن سلمة بن كهيل المستورد - هو ابن الأحنف - أن رجلا أتى فقال له : إن عمي زوجني جارية له ، وإنه يريد أن يسترق ولدي ؟ فقال له عبد الله بن مسعود : ليس له ذلك . ابن مسعود
ومن طريق عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن زيد ابن شبرمة عن الحارث العكلي عن قال : من ملك ذا رحم فهو حر - وهو قول إبراهيم النخعي . ابن شبرمة
ومن طريق نا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الحسن ، قالا جميعا : من ملك ذا رحم عتق . وجابر بن زيد
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري إسماعيل بن أمية عن قال : إذا ملك الأخ ، والأخت ، والعمة ، والخالة عتقوا . عطاء
ومن طريق عن وكيع عن شعبة الحكم بن عتيبة ، قالا جميعا : كل من ملك ذا رحم محرمة عتق . وحماد بن أبي سليمان
وصح أيضا عن - وهو قول قتادة الزهري ، ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، والليث بن سعد ، وسفيان الثوري والحسن بن حي ، وجميع أصحابه ، وأبي حنيفة وغيرهم . وعبد الله بن وهب
وهذا مما خالف فيه المالكيون جمهور العلماء وصاحبين لا يعرف لهما من الصحابة مخالف ، وهم يشنعون بأقل من هذا إذا وافق تقليدهم .
[ ص: 192 ] وقد روينا من طريق الحسن ما رواه عن عبد الرزاق عن هشام بن حسان الحسن : من عتق . ملك أخاه من الرضاعة
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن الأعمش إبراهيم النخعي عن علقمة : أن مقت رجلا أراد أن يبيع جارية له أرضعت ولده . ابن مسعود
قال : وما نعلم لهذا حجة إلا أن الحنفيين ، والمالكيين والشافعيين : أصحاب قياس بزعمهم ، فكان يلزمهم أن يقيسوا الأم من الرضاع ، والأب من الرضاع ، والولد من الرضاع ، والأخ من الرضاع : على كل ذلك من النسب ، لا سيما مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبو محمد } فهذا أصح من كل قياس قالوا به . يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
قال : ثم استدركنا فرأينا من حجتهم أن قالوا : إن السنة توجب أن يعتق ذوو المحارم من الرضاع أيضا ولا بد : لما روينا من طريق أبو محمد نا مسلم محمد بن رمح نا عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عروة عن " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عائشة أم المؤمنين } . يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب
ومن طريق نا مسلم هداب بن خالد نا همام نا عن قتادة جابر بن يزيد عن " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عباس } " . يحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم
ووجدنا " يحرم من الرحم ، ومن النسب " تمادي ملك كل ذي رحم محرمة وذي نسب محرم ، فوجب ولا بد أن يحرم تمادي الملك فيمن يمت بالرضاعة كذلك ولا بد .
فنظرنا في هذا الاحتجاج فوجدناه شغبيا - : أول ذلك - أن ملك ذي الرحم المحرمة ليس حراما ، بل هو صحيح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } " فأوقع الملك عليه ثم ألزم العتق ، ولو لا صحة ملكه لم يصح عتقه . من ملك ذا رحم محرمة فهو حر
[ ص: 193 ] ثم وجدنا قولهم : إن تمادي ملك ذي الرحم المحرمة يحرم خطأ ; لأنه لو لم يكن هاهنا إلا تحريم تمادي الملك لكان العتق لا يجب ولا بد ، بل كان له أن يهبه فيسقط ملكه عنه ، أو أن يتصدق به فيبطل بهذا ما قالوا من أن تمادي الملك يحرم ، وكان الحق أن يقولوا : إن العتق يجب عقيب الملك بلا فصل ولا مهلة ، ولم يقل عليه الصلاة والسلام : إنه يجب في الرضاع ما يجب في النسب ، وما يجب في الرحم ، ولو قال هذا لوجب العتق كما قالوا وإنما قال : { } فصح أنه إنما يحرم النكاح والتلذذ فقط ، فهو حرام فيهما معا ، وأما من يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ومن الرحم فلم يملك ذا رحم محرمة فليس عليه عتقه ، إذ لم يوجب النص ذلك . ملك بعض ذي الرحم المحرمة
وأما قولنا في الوالدين بخلاف ذلك ، فلما روينا من طريق نا مسلم ، أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ، قالا جميعا : نا - عن جرير - هو ابن حازم عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } قال لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه أبو بكر في روايته " والده " واتفقا في غير ذلك .
ومن طريق نا محمد بن المثنى نا مؤمل بن إسماعيل الحميري عن سفيان الثوري عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة } . لا يجزي ولد والديه إلا أن يجدهما أو أحدهما مملوكا فيشتريه فيعتقه
واسم " الوالد " يقع على الجد والجدة ، ما لم يخصهما نص ، ويلزمه أن يشتريه بما يشتري به الرقبة الواجبة للعتق ، والحر والعبد سواء في كل ما ذكرنا ، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام : { } فولد العبد من أمته حر على أبيه . من ملك ذا رحم محرمة فهو حر
روينا من طريق عن عبد الرزاق قلت ابن جريج : اليتيم أمه محتاجة أن ينفق عليها من ماله ؟ قال : نعم ، قلت : فإن كانت أمه أمة أتعتق فيه ؟ قال : نعم ، يكره على إعتاقها إن لم يتمتعوا بها ويحتاجوه . لعطاء