1214 - مسألة :
كلها لا تحاش منها شيئا لصاحبه الراهن له كما كانت قبل الرهن ولا فرق - حاشا ركوب الدابة المرهونة ، وحاشا لبن الحيوان المرهون ، فإنه لصاحب الرهن كما ذكرنا إلا أن يضيعهما فلا ينفق عليهما . ومنافع الرهن
وينفق على كل ذلك المرتهن فيكون له حينئذ : ركوب الدابة ، ولبن الحيوان ، بما أنفق لا يحاسب به من دينه كثر ذلك أم قل .
برهان ذلك - : قول الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } [ ص: 366 ] وحكم عليه السلام بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه وملك الشيء المرتهن باق لراهنه بيقين وبإجماع لا خلاف فيه ، فإذ هو كذلك ، فحق الرهن الذي حدث فيه للمرتهن ، ولم ينقل ملك الراهن عن الشيء المرهون لا يوجب حدوث حكم في منعه ما للمرء أن ينتفع به من ماله بغير نص بذلك ، فله الوطء ، والاستخدام ، والمؤاجرة ، والخياطة ، وأكل الثمرة الحادثة ، والولد الحادث ، والزرع ، والعمارة ، والأصواف الحادثة ، والسكنى ، وسائر ما للمرء في ملكه ، إلا كون الرهن في يد المرتهن فقط ، بحق القبض الذي جاء به القرآن ، ولا مزيد . إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
وأما الركوب ، والاحتلاب خاصة ، لمن أنفق على المركوب ، والمحلوب - : فلما روينا من طريق نا البخاري محمد بن مقاتل أنا أنا عبد الله بن المبارك زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركب ويشرب : النفقة
والنص قد ورد بتحريم الأموال على غير من له فيها حق ، فالرهن بلا شك حرام على كل من عدا الراهن ، وللمرتهن فيه حق الارتهان ، فدخل به في هذا العموم وخرج منه من عداه بالنص الآخر .
قال : ومن خالفنا في هذا فإنه يخالف القرآن ، والسنن ، والمعقول - : أما القرآن ، والسنن فمنعه صاحب الحق من منافع ماله - والله تعالى يقول : { أبو محمد والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } فقد أطلقه الله تعالى على وطء أمته ، ولم يخص غير مرهونة من مرهونة { وما كان ربك نسيا }
وقال تعالى : { لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [ ص: 367 ] وأما خلاف المعقول - : فإننا نسأل من خالفنا هاهنا عن الدار المرهونة أتؤاجر ويصلح ما هي فيها ، أم تهمل وتضيع ويخرج المستأجر لها عنها ؟ وعن الأرض المرهونة ، أتحرث وتزرع ، أم تهمل وتضاع ؟ وعن الحيوان المرهون أينفق عليه ويستغل ، أم يضيع حتى يهلك ؟ وعن الأشجار المرهونة لمن تكون غلتها ؟ فإن قالوا : إن كل ذلك يضيع - : خالفوا الإجماع ، وقيل لهم : قد { } . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال
وإن قالوا : لا يضيع ؟ قلنا : فالمنافع المذكورة من الإجارة واللبن ، والولد ، والصوف ، والثمرة لمن تكون ؟ فإن قالوا : تكون داخلا في الرهن ؟ قلنا لهم : ومن أين لكم إدخال مال من ماله في رهن لم يتعاقدا قط أن يكون داخلا فيه ؟ ومن أمر بهذا ؟ فلا سمع له ولا طاعة ولا نعمى عين ، لأنه خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم : { } وهذا تحريم ماله عليه وإباحته لغيره - وهذا باطل متيقن . إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
وإن قالوا : بل هو لصاحب الملك ؟ قلنا : نعم ، وهذا قولنا - ولله الحمد - وصح عن رضي الله عنه من قوله مثل قولنا - : وهو أنه قال : صاحب الرهن يركبه ، وصاحب الدر يحلبه ، وعليهما النفقة وأنه قال : أبي هريرة بعلفه . الرهن مركوب ، ومحلوب
ومن طريق عن حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان : فيمن ارتهن شاة ذات لبن ؟ قال : يشرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها ، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا . إبراهيم النخعي
قال : هذه الزيادة من أبو محمد لا نقول بها ، وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من تفسير إبراهيم أبي عمران رحمه الله برأيه .
ولا مخالف هاهنا من الصحابة نعلمه . لأبي هريرة
وقال : جميع الشافعي للراهن كما كانت . منافع الرهن
وقال بذلك - وبقولنا في الركوب ، والحلب ، إلا أنه زاد الاستخدام ولا [ ص: 368 ] نقول بهذا لأنه لم يأت به النص ، والقياس لا يستحل به المحرم من أموال الناس { أبو ثور وما كان ربك نسيا }
وقال إسحاق ، : لا ينتفع الراهن من الرهن إلا بالدر - وهذا قول بلا برهان . وأما وأحمد بن حنبل فإنه قال : لا بأس أن يشترط المرتهن منفعة الرهن إلى أجل في الدور ، والأرضين ، وكره ذلك في الحيوان ، والثياب والعروض - وهذا قول لا برهان على صحته ، وتقسيم فاسد ، وشرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، وقول لا نعلم أحدا قاله قبله ، ومناقضة . مالك
وأتى بعضهم بغريبة وهو أنه قال : هو في العروض سلف جر منفعة ؟ فقيل له : وهو في العقار كذلك ولا فرق
وأما وأصحابه فإنهم منعوا من مؤاجرة الرهن ، ومن أن ينتفع به الراهن والمرتهن - ثم تناقضوا من قرب فأباحوا للراهن أن يستعيره من المرتهن ، وأن يعيره إياه المرتهن ، ولم يروه بذلك خارجا من الرهن - وهذا قول في غاية الفساد لتعريه من البرهان ، ولأننا لا نعلم أحدا قال به قبله . واعترض بعضهم بأن قال : فإذا كانت المنافع للراهن كما كانت فأي فائدة للرهن ؟ قلنا : أعظم الفائدة - : أما في الآخرة ، فالعمل بما أمر الله تعالى به والأجر ، وأما في الدنيا ، فلأن الراهن إن مطل بالإنصاف بيع الرهن وتعجل المرتهن الانتصاف من حقه ، فأي فائدة تريدون أكثر من هذه الفائدة ؟ ونقول لهم : أنتم توافقوننا على أنه لا يحل القمح بالقمح إلا مثلا بمثل ، فأي فائدة في هذا ؟ وكذلك الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة - وهذه اعتراضات بسوء الظن بصاحبها وليس إلا الائتمار لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . أبو حنيفة
قال تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }
وقال عز وجل : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم }
واعترض بعض من لا يتقي الله تعالى على حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوردنا قبل من قوله [ ص: 369 ] عليه السلام : { } فقال : هذا خبر رواه الرهن محلوب ومركوب عن هشيم زكريا عن الشعبي عن وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } قال هذا الجاهل المقدم : فإذ المراد بذلك المرتهن فهو منسوخ بتحريم الربا وبالنهي عن سلف جر منفعة . إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ، ولبن الدر يشرب بنفقتها وتركب
قال : وهذا كلام في غاية الفساد والجرأة ، أول ذلك - : إن هذا خبر ليس مسندا ، لأنه ليس فيه بيان بأن هذا اللفظ من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا : فإن فيه لفظا مختلفا لا يفهم أصلا ، وهو قوله : { أبو محمد } ، وحاشا الله أن يكون هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم المأمور بالبيان لنا ، وهذه الرواية إنما هي من طريق ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها وتركب إسماعيل بن سالم الصائغ مولى بني هاشم عن ، فالتخليط من قبله ، لا من قبل هشيم فمن فوقه ، لأن حديث هشيم هذا رويناه من طريق هشيم الذي هو أحفظ الناس لحديث سعيد بن منصور وأضبطهم له فقال : نا هشيم عن هشيم عن الأعمش أبي صالح عن يرفع الحديث فيما زعم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } . الرهن يركب ويعلف ، ولبن الدر إذا كان مرهونا يشرب وعلى الذي يشربه النفقة والعلف
وأما قول هذا الجاهل : فإذ ذلك على المرتهن فهو منسوخ بالنهي عن الربا وبالنهي عن سلف جر منفعة - : فقد كذب ، وأفك ، وما للربا هاهنا مدخل أصلا
ولو أنهم اتقوا الربا لما أقدموا عليه جهارا إذ أباحوا التمرتين بالأربع تمرات ، وإن كانت الأربع أكبر جسما ، وأثقل وزنا .
وإذ أباح بعضهم درهما فيه درهم ونصف بدرهم فيه درهم غير ثمن .
وإذ أباحوا كلهم ألف درهم حاضرة بمائة دينار غائبة في الذمة .
فهذا هو الربا حقا [ ص: 370 ] لا انتفاع الراهن بماله ولا انتفاع المرتهن بالدر ، والركوب المباحين له بالنص من أجل نفقته على المركوب والمحلوب .
وقالوا أيضا : قد صح عن الشعبي أنه كره أن ينتفع الراهن من رهنه بشيء ؟ قالوا : وهو راوي الحديث ، فلم يتركه إلا لفضل علم عنده .
قال : وهذا من أسخف ما يأتون به ، ولقد كنا نظن أن في بلادهم بعض العذر لهم ، إذ يحتجون بترك الصاحب لما روي حتى أتونا بترك السنة من أجل ترك أبو محمد الشعبي لها .
وقد أوردنا أخذ بما روي من ذلك ، فلئن مشوا هكذا ، ليكونن ترك أبي هريرة للأخذ بما روي حجة على الحنفيين في أخذهم به ، وليكونن ترك مالك لما بلغه من الحديث حجة على المالكيين في أخذهم به ، وهكذا سفلا حتى يكون ترك كل أحد للحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه حجة قاطعة في رده . أبي حنيفة
وهذا مذهب إبليس ومن اتبعه ، ولا كرامة لأحد أن يكون حجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو عليه السلام الحجة على الجن والإنس .
وأسلم الوجوه لمن خالف ما روي عن صاحب فمن دونه من الأئمة خاصة أن يظن بهم النسيان أو التأويل الذي أخطئوا فيه قاصدين للخير ، فيؤجرون مرة واحدة ، وأما من أقدم على ما صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن اعتقد جواز مخالفته عليه السلام كافر حلال الدم والمال ، وإن لم يعتقد ذلك فهو فاسق قال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } قال : وقد روي عن أبو محمد ، ابن مسعود ، وابن عمر : أن لا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن - ولا يصح عن أحد منهم ، لأنه عن وشريح منقطع - وعن ابن مسعود من طريق ابن عمر ، وعن ابن لهيعة من طريق شريح جابر الجعفي .
بل قد صح عن ، ابن سيرين والشعبي : لا ينتفع من الرهن بشيء - وهذا صحيح إن كانوا عنوا المرتهن وبه نقول إلا الحلب ، والركوب إن أنفق فقط ، وإلا فلا - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 371 ] وقال ، أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد : وأبو سليمان على راهنه - وهذا صحيح ، لأنه ماله ، إلا أن الحنفيين قالوا : إن مرض الرقيق المرهون ، أو أصابت العبد جراحة ، أو دبرت الدواب المرهونة ، فإن كان الدين ، وقيمة الرهن سواء ، فالعلاج كله على المرتهن ، وإن كان الدين أقل من قيمة الرهن فالعلاج على الراهن والمرتهن بحساب ذلك . نفقة الرهن
وهذا كلام يشبه الهذيان إلا أنه أسوأ حالا من الهذيان ، لأنه على حكم في الدين بالآراء الفاسدة التي لا نعلم أحدا قالها قبله ، ولا متعلق لهم فيها بقرآن ، ولا سنة ، ولا برواية ضعيفة ، ولا بقياس ، ولا برأي سديد ، ولا بقول متقدم .