المطلب الثاني: رقابة الأفراد
الدولة في الإسلام تمثيل لسلطة الأمة.. إذا لم توجد الحكومة فالسلطة قائمة في الأمة باعتبار أن الأمة الإسلامية هـي صاحبة السلطة الحقيقية، تتولى تنصيب الحاكم كما تتولى عزله إذا فقد شرطا من شروط الولاية [1] .
فالفرد في المجتمع يتمتع بهذه السلطة باعتباره فردا في الأمة الإسلامية، أشار إلى ذلك ( حديث علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال: ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس إلا في صحيفة في قراب سيفي.. فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها: «المؤمنون تكافأ دماؤهم [2] يسعى بذمتهم أدناهم [3] وهـم يد على من سـواهم [4] لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده ) [5] .
وبذلك فإن للأفراد ولاية تظهر في تعقيبهم على السلطة العامة ورقابتهم لتصرفاتها.. ومن هـذه الولاية الحسبة العامة، وهي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل بحسب استطاعته. ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) [6] . [ ص: 183 ] فالشريعة الإسلامية تجعل للفرد دورا ما في السلطة واختصاصات من الولاية العامة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... ) [7] .. والإنسان بذلك خليفة الله في الأرض، وكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي له نصيب من الخلافة وحق في التمتع بها. فالفرد قد يعقد المعاهدات للدولة: «... وذمة [8] المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم [9] ...» [10] .
كما أن للأفراد أحيانا حقوق التنفيذ المباشر ودرء المفاسد بأيديهم، فالحسبة العامة تكون عند القدرة على ذلك، لأن مناط الوجوب هـو القدرة، فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز، وهو فرض على الكفاية، ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم غيره به، والقدرة هـي السلطة والولاية [11] ، وذلك لامتلاكها القوة السياسية والمادية الضرورية لمتابعة حسن تطبيق الشريعة والقوانين.
فالحسبة العامة كما تكون بالرقابة على الفرد فإنها تكون أيضا على الولاة، وذلك من أهم وسائل الرقابة الشرعية. إذ يقرر للأفراد حق رقابة تصرفات الولاة. ( فعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أنه شهد خطبة [ ص: 184 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة في حجة الوداع : ... واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله، ومناصحة أولي الأمر، وعلى لزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ) [12] .. ووسائل الحسبة العامة على الولاة: التعريف والوعظ [13] ، أما المنع والقهر فليس ذلك لآحاد الناس لأنه يحرك الفتنة ويهيج الشر.
" «عن أنس، رضي الله عنه ، قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسـول الله صلى الله عليه وسلم من أحسـن الناس خلقا، ولا مسسـت خزا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم " [14] .. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة. فعن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قـال: يا عائشة، إن الله رفيـق يحـب الرفق، ويعطي علـى الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه ) [15] . [ ص: 185 ]