التربية الميدانية على أرض المعركة
من المآسي الكبيرة على المعركة التي اعتصر لها قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ألما وحزنا: مأساة قتل عمه حمزة رضي الله عنه ، وما حدث من التمثيل به من هـند بنت عتبة، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن رأى ذلك: ( والله لأمثلن بثلاثين رجلا منهم ) . وهذا من طبيعة التأثر البشري، فينزل قوله تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هـي أحسن إن ربك هـو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين * واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون * إن الله مع الذين اتقوا والذين هـم محسنون ) (النحل 125 - 128) .
إنه التدرج والتربية في المعالجة الذي بدأ من التماثل بين الجريمة والعقوبة، إلى الندب إلى الصبر وثوابه، إلى الأمر بالصبر والاحتساب.
ومن الإفرازات السلبية أيضا ما أظهره يهود والمنافقون من الشماتة بالمسلمين، فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هـكذا نبي قط، أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه!! وجعل المنافقون يخذلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 144 ] أصحابه ويأمرونهم بالتفرق عنه، ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل.. وسمع عمر رضي الله عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن في قتل من سمع ذلك منه من يهود والمنافقين، فقال صلى الله عليه وسلم : يا عمر، إن الله مظهر دينه، ومعز نبيه، ولليهود ذمة فلا أقتلهم، قال: فهؤلاء المنافقون. قال: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله؟ قال: بلى يا رسول الله، وإنما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان لنا أمرهم، وأبدى الله أضغانهم عند هـذه النكبة؛ فقال: نهيت عن قتل من قال: لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، يا ابن الخطاب، إن قريشا لن ينالوا منا مثل هـذا اليوم حتى نستلم الركن.
إنها النبوة وليست الملك، كما حددها العباس رضي الله عنه أثناء فتح مكة عندما دخلها الرسول صلى الله عليه وسلم منتصرا، ورأى أبو سفيان جموع الفاتحين وإسلام القبائل العربية، فقال للعباس: لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما؛ فقال له العباس: يا أبا سفيان، إنها النبوة.. فهل نعيد قراءة أهدافنا في هـذه الحياة ووسائلنا في مواجهة مشكلاتنا وهزائمنا، فنعلم أنه السير على أقدام النبوة وليس السقوط في مناخ الجاهلية.
[ربيع الآخر:1404هـ - كانون الثاني (يناير) :1984م] [ ص: 145 ]