مقدمة
أتابع النشاط الإسلامي المعاصر بحب وخوف.. حبي له لأنني مسلم أريد للحق الذي أعتنقه أن يسود، وأن يقوم من عثرته التي طالت! وخوفي عليه لأن الأعداء خبثاء أقوياء أغنياء يريدون الإجهاز على الدين الجريح، وانتهاز الفرصة التي لاحت بعد طول انتظار أو طول تدبير...!
إن المدافعين لا ينقصهم غالبا الحماس والإخلاص وإنما ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه...
إنهم يحسبون أن حال المسلمين اليوم وليد علل عارضة، ومن السهل إزالتها في أيام معدودات، أو على الأكثر في بضع سنين من حياتهم هـم... ثم يعود المسلمون إلى مجدهم الأول أيام الصحابة والتابعين.
وما على الشباب إلا أن يقدم ويقاتل ويحطم ما أمامه من عوائق، وسوف يبتسم له النصر بعد مرحلة أو مرحلتين!!.
وهذا الاستعجال كان وراء متاعب وخسائر ثقيلة للدعوة الإسلامية، بل ربما زاد خصومها تمكينا وضراوة...! [ ص: 17 ]
إن حالة المسلمين اليوم تخالف حالة الألمان الذين خاضوا حربا عالمية ثانية بعد هـزيمتهم في الحرب العالمية الأولى ، ولما تمر على هـذه الهزيمة عشرون سنة!
إننا نحن المسلمين نتقهقر من عدة قرون، وكأننا في معركة انسحاب أوائل القرن الثالث عشر للهجرة، وقد قاوم الأجداد والآباء والأعقاب وورثنا نحن هـذه المقاومة الباسلة النبيلة، وكسبنا مواقع وخسرنا أخرى...
وأرى أنه لا بد من دراسة شاملة لأسباب تقهقرنا المدني والعسكري وما هـي العناصر الحيوية التي فقدناها حتى دهانا ما دهانا؟ لا بد من بصيرة فاحصة متعمقة تتدبر ثقافتنا وتنقي منابعها! وتنقد مستوانا الحضاري الأخير وتستكشف أسباب هـبوطه!
أكنا حقا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أم غلب علينا داء الأمم الأولى فشردنا عن الصراط المستقيم؟
وعندما نريد العودة فما أرشد الوسائل؟
إن إقامة دين الله شيء ومجرد الاستيلاء على الحكم بطريقة أو بأخرى شيء آخر...
إن إقامة دين الله تعني قبل كل شيء تأسيس علاقة زاكية بين المرء وربه، منزهة عن طلب الدنيا والتشبع من لذائذها، والاستعلاء في أرجائها.
( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ) (القصص: 83).
كما تعني الإسهام في بناء مجتمع عالمي يعرف المعروف، وينكر المنكر، ويحترم الحقوق، ويوقر رب العالمين...!
وفي تاريخنا الثقافي والسياسي زاد كاف لمن كان له قلب، غير أن هـزائم شتى تصيب المجاهدين في سبيل الله لضعف التجربة وقلة الخبرة، أو لفقر [ ص: 18 ] شديد في العلم الصحيح بكتاب الله وسنة رسوله...
وفي هـذا الكتيب نماذج لقضايا خاضها أو سيخوضها العاملون في الحقل الإسلامي أحببت أن أشرحها على ضوء ما بلوت من تاريخنا الحاضر والغابر، لعلها تعصم من مزالق، وتنبه إلى حقائق وتقود إلى الخير...
وقد تتشابه الموضوعات في بعض ما أكتب! ومع ذلك ففي الجديد مزيد من سعة العرض ووفرة الحجج!
وإني لأشكر أسرة مجلة ((الأمة)) إذ رغبت إلي بهذا العمل، وأدعو الله تبارك وتعالى أن ينفع به، وأن يجعله في موازين الحسنات.
( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ) (الممتحنة: 4).
( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ) (الممتحنة 5)
الدوحة صفر سنة 1402هـ
محمد الغزالي [ ص: 19 ]