( 1814 ) فصل : الثالث ، أن . هذا المشهور عن الزكاة لا تسقط بتلف المال ، فرط أو لم يفرط ، وحكى عنه أحمد أنه إذا تلف النصاب قبل التمكن من الأداء ، سقطت الزكاة عنه ، وإن تلف بعده ، لم تسقط . وحكاه الميموني مذهبا ابن المنذر . وهو قول لأحمد ، الشافعي ، والحسن بن صالح وإسحاق وأبي ثور . وبه قال وابن المنذر ، إلا في الماشية ، فإنه قال : لا شيء فيها حتى يجيء المصدق ، فإن هلكت قبل مجيئه فلا شيء عليه . مالك
وقال : [ ص: 289 ] تسقط الزكاة بتلف النصاب على كل حال إلا أن يكون الإمام قد طالبه بها فمنعها ; لأنه تلف قبل محل الاستحقاق ، فسقطت الزكاة ، كما لو تلفت الثمرة قبل الجذاذ ، ولأنه حق يتعلق بالعين ، فسقط بتلفها ، كأرش الجناية في العبد الجاني . ومن اشترط التمكن قال : هذه عبادة يتعلق وجوبها بالمال ، فيسقط فرضها بتلفه قبل إمكان أدائها ، كالحج . أبو حنيفة
ومن نصر الأول قال : مال وجب في الذمة ، فلم يسقط بتلف النصاب ، كالدين ، أو لم يشترط في ضمانه إمكان الأداء ، كثمن المبيع ، والثمرة لا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز ; لأنها في حكم غير المقبوض ، ولهذا لو تلفت بجائحة كانت في ضمان البائع ، على ما دل عليه الخبر . وإذا قلنا بوجوب الزكاة في العين ، فليس هو بمعنى استحقاق جزء منه ، ولهذا لا يمنع التصرف فيه ، والحج لا يجب حتى يتمكن من الأداء ، فإذا وجب لم يسقط بتلف المال ، بخلاف الزكاة ، فإن التمكن ليس بشرط لوجوبها ، على ما قدمناه .
والصحيح ، إن شاء الله ، أن الزكاة تسقط بتلف المال ، إذا لم يفرط في الأداء ; لأنها تجب على سبيل المواساة ، فلا تجب على وجه يجب أداؤها مع عدم المال وفقر من تجب عليه ، ومعنى التفريط ، أن يتمكن من إخراجها فلا يخرجها ، وإن لم يتمكن من إخراجها ، فليس بمفرط ، سواء كان ذلك لعدم المستحق ، أو لبعد المال عنه ، أو لكون الفرض لا يوجد في المال ، ويحتاج إلى شرائه ، فلم يجد ما يشتريه ، أو كان في طلب الشراء ، أو نحو ذلك . وإن قلنا بوجوبها بعد تلف المال ، فأمكن المالك أداؤها أداها ، وإلا أنظر بها إلى ميسرته ، وتمكنه من أدائها من غير مضرة عليه ; لأنه إذا لزم إنظاره بدين الآدمي المتعين فبالزكاة التي هي حق الله تعالى أولى .