الفصل الثاني : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=17718لم يجد إزارا فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه . بل يلبسه على حاله ،
nindex.php?page=treesubj&link=3468وإذا لم يجد نعلين فإنه يلبس الخفين وليس عليه أن يقطعهما ولا فدية عليه . هذا هو المذهب المنصوص عنه في عامة المواضع ، في رواية
أبي طالب ومهنا
وإسحاق وبكر بن محمد وعليه أصحابه .
[ ص: 22 ] وروى عنه : أن عليه أن يقطعهما ؛ قال - في رواية
حنبل -
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
سالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وذكر الحديث إلى قوله : "
وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " وظاهره أنه أخذ به .
وقد حكى
ابن أبي موسى وغيره الروايتين : إحداهما : عليه أن يقطعهما أسفل من الكعبين فإن لم يقطعهما فعليه دم ؛ لأن ذلك في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - وهو مقيد - فيقضى به على غيره من الأحاديث المطلقة فإن الحكم واحد والسبب واحد وفي مثل هذا يجب حمل المطلق على المقيد وفاقا . ثم هذه زيادة حفظها
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ولم يحفظها غيره ، وإذا كان في أحد الحديثين زيادة وجب العمل به .
ووجه الأول : ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات : من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين " وفي لفظ "
السراويل لمن لم يجد الإزار والخفاف لمن لم يجد النعلين " متفق عليه .
[ ص: 23 ] قال
مسلم : لم يذكر أحد منهم "
يخطب بعرفات " غير
شعبة وحده .
وفي رواية صحيحة
لأحمد قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015320من لم يجد إزارا ووجد سراويل فليلبسه ومن لم يجد نعلين ووجد خفين ، فليلبسهما " قلت : ولم يقل: ليقطعهما ؟ "قال : لا " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015321من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل " رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15558بكر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فلما انصرف لبى ، ولبى القوم - وفي القوم رجل أعرابي عليه سراويل فلبى معهم كما لبوا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "السراويل إزار من لا إزار له ، والخفاف نعلان من لا نعل له " رواه
النجاد وهو مرسل .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : "
رأيت nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف يطوف وعليه خفان ، قال له عمر : تطوف وعليك خفان ؟ ! فقال : لقد لبسهما من هو خير منك يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه
أبو حفص في شرحه، ورواه
[ ص: 24 ] النجاد ، ولفظه : "
فرأى عليه خفين وهو محرم " .
فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلبس الخفين عند عدم النعلين والسراويل عند عدم الإزار ، ولم يأمر بتغييرهما ولم يتعرض لفدية ، والناس محتاجون إلى البيان لأنه كان
بعرفات وقد اجتمع عليه خلق عظيم ولا يحصيهم إلا الله يتعلمون وبه يقتدون ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
فلو وجب تغييرهما ، أو وجبت فيهما فدية : لوجب بيان ذلك لا سيما ومن جهل جواز
nindex.php?page=treesubj&link=3468_17718_3787لبس الإزار والخفين فهو يوجب الفدية أو التغيير وأجهل ، ألا ترى أن الله سبحانه ، ورسوله حيث أباح شيئا لعذر : فإنه يذكر الفدية كقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=167لكعب بن عجرة : "
احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة أو انسك شاة " .
وأيضا : فإن اللام في السراويل والخف لتعريف ما هو معهود ومعروف عند المخاطبين وذلك هو السراويل الصحيح والخف الصحيح فيجب أن يكون هو مقصود المتكلم ، وأن يحمل كلامه عليه .
وأيضا : فإن المفتوق والمقطوع لا يسمى سراويلا وخفا عند الإطلاق ؛ ولهذا لا ينصرف الخطاب إليه في لسان الشارع كقوله "
أمرنا أن لا ننزع خفافنا " ،
[ ص: 25 ] وقوله : "
امسحوا على الخفين والخمار " وغير ذلك، ولا في خطاب الناس مثل الوكالات والأيمان وغير ذلك من أنواع الخطاب . والنبي - صلى الله عليه وسلم - : أمر بلبس الخفين والسراويل فعلم أنه أراد ما يسمى خفا وسراويل عند الإطلاق .
وأيضا : فإنه وإن سمى خفا وسراويل فإنه ذكره باللام الذي تقتضي تعريف الحقيقة ، أو بلفظ التنكير الذي يقتضي مجرد الحقيقة ، فيقتضي ذلك أن يجوز مسمى الخف والسراويل على أي حال كان كسائر أسماء الأجناس .
وأيضا : فإن وجود المعبر عن هيئة الخفاف والسراويلات نادر جدا لا يكون إلا بقصد ، واللفظ العام المطلق لا يجوز أن يحمل على ما يندر وجوده من أفراد الحقيقة ، فكيف ما يندر وجوده من مجازاته ؟ ! .
وأيضا : فإنه لو افتقر ذلك إلى تغيير أو وجبت فيه فدية : لوجب أن يبين مقدار التغيير الذي يبيح لبسه ، أو مقدار الفدية الواجبة ، فإن مثل هذا لا يعلم إلا بتوقيف .
وأيضا فقد رأى على الأعرابي سراويل وأقره على ذلك وبين أن السراويل بمنزلة الإزار عند عدمه ، والخف بمنزلة النعل عند عدمه ، ومعلوم أن الأزر والنعل لا فدية فيهما .
وأيضا : فإنه إنما جوز لبسهما عند عدم الأصل ، فلو افتقر ذلك إلى تغيير أو وجبت فدية : لاستوى حكم وجود الأصل وعدمه في عامة المواضع . وبيان
[ ص: 26 ] ذلك أنهما إذا غيرا ؛ إن صارا بمنزلة الإزار والنعل فيجوز لبسهما مغيرين مع وجود الإزار والنعل إذ لا فرق بين نعل ونعل ، وإزار وإزار ، وهذا مخالف لقوله : "
السراويل لمن لم يجد الإزار ، والخفاف لمن لم يجد النعلين " فجعلهما لمن لم يجد ، كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فلم تجدوا ماء فتيمموا ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فمن لم يجد فصيام شهرين ) إلى غير ذلك من المواضع ، ومخالف لقوله : "
من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين " ومخالف لقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015330السراويل إزار من لا إزار له والخفان نعلان من لا نعل له " وهذا واضح .
وإن لم يصير بالتغيير بمنزلة الإزار والخف : فلا فائدة في التغيير بل هو إتلاف بغير فائدة أصلا وإفساد له ، والله لا يحب الفساد .
وأيضا : فإن عامة الصحابة وكبراءهم على هذا ؛ فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود قال : " سألت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قلت : من أين أحرم ؟ قال : من
ذي الحليفة وقال : الخفان نعلان لمن لا نعل له " .
وعن
الحارث عن
علي قال : "السراويل لمن لم يجد الإزار ، والخفان لمن لم يجد النعلين " .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : "إذا لم يجد المحرم الإزار فليلبس السراويل ، وإذا لم يجد نعلين فليلبس الخفين " .
[ ص: 27 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=16015331وعن nindex.php?page=showalam&ids=4891عبد الله بن عامر بن ربيعة . قال : " كنت مع nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف - في سفر - ومعنا حاد ، أو مغن ، فأتاه عمر في بعض الليل ، فقال : ألا أرى أن يطلع الفجر أذكر الله ، ثم التفت فرأى عليه خفين - وهو محرم - قال : وخفين ؟ ! فقال : قد لبستهما مع من هو خير منك " .
وعن مولى
الحسن بن علي قال : "رأيت على
nindex.php?page=showalam&ids=83المسور بن مخرمة خفين وهو محرم فقيل له : ما هذا ؟ ! فقال : أمرتنا
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة به " .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : فحديث صحيح ، وزيادته صحيحة محفوظة ، وقد زعم القاضي وأصحابه ،
وابن الجوزي ، وبعض أصحابنا أنه اختلف في اتصاله .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود : رواه
موسى بن طارق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة موقوفا على
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : وكذلك رواه
عبيد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأيوب .
قالوا : وقد روي فيه القطع وتركه ؛ فإن
النجاد روى عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن [ ص: 28 ] عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
السراويل لمن لم يجد الإزار والخفاف لمن لم يجد النعلين " .
وهذا غلط ؛ فإنه لم يختلف أحد من الحفاظ في اتصاله ، وأن هذه الزيادة متصلة . وإنما تكلم
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015332لا تنتقب المرأة الحرام ، ولا تلبس القفازين " وذكر أن هذه الزيادة : من الناس من وقفها ، ومنهم من رفعها ، مع أنه قد أخرجها
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وهذا بين في سنن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود ، فمن توهم أن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبا داود عنى زيادة القطع : فقد غلط - عليه - غلطا بينا فاحشا .
واعتذر بعضهم - عنه - بأن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "
أنه رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما " وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يفتى بقطعهما ، قالت
صفية فلما أخبرته بهذا رجع .
وهذا غلط بين - أيضا - فإن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إنما هو في المرأة المحرمة . لكن هذه الزيادة متروكة في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجابر وغيرهما .
وليس هذا مما يقال فيه الزيادة من الثقة مقبولة ؛ لأن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر حفظ هذه الزيادة ، وغيره عقلها وذهل عنها أو نسيها ؛ فإن هذين حديثان تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهما في وقتين ومكانين .
فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر تكلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو
بالمدينة قبل أن يحرم على منبره لما سأله السائل "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015334عما يلبس المحرم من الثياب " وقد تقدم أن في بعض طرقه سمعته يقول على هذا المنبر وهو ينهى الناس إذا أحرموا عما يكره لهم ، وذلك إشارة إلى منبره
بالمدينة .
[ ص: 29 ] وفي رواية "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015335أن رجلا نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني .
وتقدم في لفظ آخر صحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015336أن رجلا سأله ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا ؟ " فعلم أنهم سألوه قبل أن يحرموا .
وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كان وهو محرم
بعرفات كما تقدم ، وقد بين فيه أنه لم يذكر القطع .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : سمعت
أبا بكر النيسابوري يقول في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124وليث بن سعد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15662وجويرية ابن أسماء ، عن
نافع ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015337نادى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد : ما يترك المحرم من الثياب ؟ . وهذا يدل على أنه قبل الإحرام
بالمدينة ، وحديث
شعبة ،
وسعيد بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن
أبي الشعثاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015338أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات " هذا بعد حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
فمن زعم أن هذه الزيادة حفظها
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر دون غيره : فقد أخطأ .
[ ص: 30 ] قال
المروذي احتججت على
أبي عبد الله بقول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت : وهو زيادة في الخبر ، فقال : هذا حديث وذاك حديث .
ويبين ذلك أنهما حديثان متغايرا اللفظ والمعنى في هذا ما ليس في هذا ، وفي هذا ما ليس في هذا .
وإذا كان كذلك : فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هو الحديث المتأخر ، فإما أن يبنى على حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ويقيد به ، أو يكون ناسخا له ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أولا بقطعها ، ثم رخص لهم في لبسها مطلقا من غير قطع ، وهذا هو الذي يجب حمل الحديثين لوجوه :
أحدها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بلبس الخفاف والسراويلات ، وموجب هذا الكلام هو لبس الخف المعروف ، ولا يجوز أن يكون ترك ذكر القطع لأنه قد تقدم منه أولا
بالمدينة ؛ لأن الذين سمعوا ذلك منه
بالمدينة كانوا بعض الذين اجتمعوا
بعرفات ، وأكثر أولئك الذين جاءوا
بعرفات من النواحي ليسوا من فقهاء الصحابة ، بل قوم حديثوا عهد بالإسلام ، وكثير منهم لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل تلك الأيام ، وفيهم الأعراب ونحوهم ، وقد قال لهم في الموسم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015198لتأخذوا عني مناسككم " . فكيف يجوز أن يأمرهم بلبس الخفاف والسراويلات ومراده الخف المقطوع والسراويلات المفتوقة من غير أن يكون هناك قرينة مقالية ولا حالية تدل على ذلك ، بل القرائن تقضي بخلاف ذلك بناء على أنه أمر بالقطع لناس غيرهم . هذا لا يجوز أن يحمل عليه كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن
[ ص: 31 ] ذلك تلبيس وتأخير للبيان عن وقت الحاجة ، وذلك لا يجوز عليه . وما هذا إلا بمثابة أن يقول رجل لخياط : خط لي قميصا أو خفا ، فيخيط له صحيحا ، فيقول : إنما أردت قميصا نفيرا أو خفا مقطوعا لأني قد أمرت بذلك للخياط الآخر ، فيقول : وإذا أمرت ذاك ولم تأمرني أفأعلم الغيب ، بل أمره - صلى الله عليه وسلم - بلبس الخف والسراويل وسكوته عن تغييرهما يدل أصحابه الذين سمعوا الحديث الأول أنه أراد لبسهما على الوجه المعروف ، وأنه لو أراد تغييرهما لذكره ، كما ذكره أولا ، كما فهموا ذلك منه على ما تقدم .
ويوضح ذلك : أنه لو كان - صلى الله عليه وسلم - مكتفيا بالحديث الأول لاكتفى به في أصل الأمر بلبس الخف لمن لم يجد النعل ، ولم يعده ثانيا . فإذا لم يستغن عن أصل الأمر فكيف يستغني عن صفته ويتركه ملبسا مدلسا ، وقد كان الإعراض عن ذكر أصله وصفته أولى في البيان - لو كان حاصلا بالحديث الأول - من ذكر لفظ يفهم خلاف المراد .
الثاني : أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه : وهم
بالمدينة قبل الإحرام عن لبس السراويل مطلقا كما نهى عن لبس العمامة والقميص ولم
[ ص: 32 ] يأذن في لبسه بحال ، ونهى عن لبس الخف إلا إذا عدم النعل فيلبس مقطوعا . ففهم
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر منه الأمر بالقطع للرجال والنساء لعموم الخطاب لهما كما عمهم النهي عن لبس ثوب مسه ورس أو زعفران ، وإن لم يعمهم النهي عن لبس ثوب القميص والبرانس والسراويلات ، فإن المرأة محتاجة إلى ستر بدنها ورأسها ، فكان ذلك قرينة عند
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر تعلمه أنها لم تدخل في النهي عن ذلك ، وليس بها حاجة إلى الخف الصحيح ، فجوز أن تنهى عن لبس ما يصنع لرجلها كما نهيت عن القفاز والنقاب ، فلو ترك الناس وهذا الحديث لم يجز لأحد لبس السراويل إلا أن يفتقه ، أو يفتدى بلبسه صحيحا . وكان معناه أن عدم الإزار والنعل لا يبيح غيره إلا أن يكون قريبا منه ، وذكر هذا في ضمن ما نهى عنه من سائر الملابس ؛ مثل العمامة والبرنس والقميص والمصبوغ بالورس والزعفران .
فمضمون هذا الحديث : هو المنهي عنه من اللباس ليجتنبه الناس في إحرامهم ، وكان قطع الخف إذ ذاك مأمورا به ، وإن أفسده إتباعا لأمر الله ورسوله حيث لا رخصة في البدل ، ثم جاء حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - بعد هذا -
بعرفة ليس فيه شيء من المنهيات ، إنما فيه : الأمر لمن لم يجد الإزار أن يلبس السراويل ، ولمن لم يجد النعل أن يلبس الخف ، وترك ذكر بقية الملابس وهذا يبين لذي لب أن هذه رخصة بعد نهي حيث رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام الإحرام المشقة والضرورة بكثير من الناس إلى السراويلات والخفاف ، فرخص فيهما بدلا عن الإزار والنعل ، وأعرض عن ذكر بقية الملابس إذ لا بدل لها لعدم الحاجة إلى البدل منها .
فإن بالناس حاجة عامة إلى ستر العورة شرعا ، وبهم حاجة عامة إلى الاحتذاء طبعا ، فإن الاحتفاء فيه ضرر عظيم ومشقة شديدة خصوصا على المسافرين في مثل أرض الحجاز . واقتطع ذكر الخف والسراويل دون غيره : ليبين أنه إنشاء حكم - غير الحكم الأول - وبيانه ، وأنه ليس مقصوده إعادة ما كان ذكره
[ ص: 33 ] بالمدينة . إذ لو كان مقصوده بيان أنواع الملابس لذكر ما ذكره بالمدينة ، فسمع ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وجابر وغيرهما ، وأفتى بمضمونه خيار الصحابة وعامتهم ، ولم يسمع
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر هذا فبقي يفتي بما سمعه أولا .
كما أن حديثه في المواقيت ليس فيه ميقات
أهل اليمن ، لأنه وقت بعد ، وكما أفتى النساء بالقطع حتى حدثته
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=16015339أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رخص للنساء في الخفاف مطلقا ، أو أنهن لم يعنين بهذا الخطاب .
ولهذا أخذ بحديثه بعض المدنيين في أن السراويل لا يجوز لبسه ، وأن لابسه للحاجة عليه الفدية حيث لم يأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه . ومعلوم أن هذا موجب حديثه . فإذا نسخ موجب حديثه في السراويل : نسخ موجبه في الخف ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكرهما جميعا وسبيلهما واحد .
قال
مالك وقد سئل . . . النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015340من لم يجد إزارا فليلبس سراويل " قال
مالك : لم أسمع بهذا ، ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها ، ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين .
فهذا قول من لم يبلغه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقد أحسن فيما فهم مما سمع .
[ ص: 34 ] الثالث : أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015341الخفاف لمن لم يجد النعلين والسراويل لمن لم يجد الإزار " لو قصد بذلك الخف المقطوع لوجب أن يقصد بذلك السراويل المفتوق ؛ لأن المقصود بقطع الخف تشبيهه بالنعل، فكذلك السراويل ينبغي أن يشبه بالإزار ، بل فتق السراويل أولى لوجوه :
أحدها : أنه مخيط بأكثر مما يحيط به الخف .
والثاني : أنه ليس في فتقه إفساد له ، بل يمكن إعادته سراويلا بعد انقضاء الإحرام .
والثالث : أن فتق السراويل يجعله بمنزلة الإزار حتى يجوز لبسه مع وجود الإزار بالإجماع ، بخلاف قطع الخف ، فإنه يقربه إلى النعل ولا يجعله مثله . فإذا لم يقصد إلا السراويل المعروف كما تقدم فالخف أولى أن لا يقصد به إلا الخف المعروف . وإن جاز أن يدعي أنه اكتفى بما ذكره إلا من القطع : جاز أن يدعي أنه اكتفى بالمعنى الذي نبه عليه في الأمر بالقطع ، وهو تغيير صورته إلى ما يجوز لبسه ، وذلك مشترك بين الخف والسراويل ، بل هو بالسراويل أولى فإن تقييد المطلق بالقياس جائز كتقييده بلفظ آخر . لكن هذا باطل لما تقدم فالآخر مثله . وهذا معنى ما ذكره مهنا
لأبي عبد الله وقد حكى له أنه ناظر بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في قطع الخفين ، وأن سبيل السراويل وسبيل الخف واحد . فتبسم
أبو عبد الله ، وقال : ما أحسن ما احتججت عليه .
[ ص: 35 ] الوجه الرابع : أن المطلق إنما يحمل على المقيد إذا كان اللفظ صالحا له عند الإطلاق ولغيره ، فيتبين باللفظ المقيد أنما المراد هو دون غيره ، مثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة ) فإنه اسم مطلق يدخل فيه المؤمنة والكافرة ، فإذا عني به المؤمنة جاز لأنها رقبة وزيادة . وكذلك صوم ثلاثة أيام يصلح للمتتابعة وللمتفرقة ، فإذا بين أنها متتابعة جاز .
وهنا أمر بلبس الخف والسراويل ، ومتى قطع الخف حتى صار كالحذاء وفتق السراويل حتى صار إزارا : لم يبق يقع عليه اسم خف ولا سراويل . ولهذا إذا قيل امسح على الخف ، ويجوز المسح على الخف ، وأمرنا أن لا ننزع خفافنا لم يدخل فيه المقطوع والمداس ، ولا يعرف في الكلام أن المقطوع والمداس ونحوهما يسمى خفا ، ولهذا في حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015342فليلبس وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " فسماهما خفين قبل القطع ، وأمر بقطعهما كما يقال : افتق السراويل إزارا ، واجعل القميص رداء ، ومعلوم أنه إنما يسمى قميصا وسراويل قبل ذلك . فعلم أن المقطوع لا يسمى بعد قطعه خفا أصلا ، إلا أن يقال : خف مقطوع ، كما يقال : قميص مفتوق وهو بعد الفتق ليس بقميص ولا سراويل ، وكما يقال : حيوان ميت ، وهو بعد الموت ليس بحيوان أصلا . فإن حقيقة الحيوان : الشيء الذي به حياة ، وكما يقال لعظام الفرس : هذا فرس ميت ، ويقال لخل الخمر : هذا خمر مستحيل . ومعلوم أنه ليس خمرا ؛ يسمى الشيء باسم ما كان عليه إذا وصف بالصفة التي هو عليها الآن ؛ لأن مجموع الاسم والصفة ينبئ عن حقيقته ، فإذا ذكر الاسم وحده : لم يجز أن يراد به إلا معناه الذي هو معناه . والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر هنا بلبس الخف ، وما تحت الكعب لا يسمى خفا ، فلا يجوز حمل الكلام عليه ، فضلا عن تقييده به ، بخلاف الرقبة المؤمنة ، والأيام المتتابعات فإنها رقبة وأيام ، وهذا بين واضح .
[ ص: 36 ] الوجه الخامس : أنه لو سمى خفا فإن وجوده نادر ، فإن الأغلب على الخفاف الصحة ، وإنما يقطع الخف من له في ذلك غرض . والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015343السراويل لمن لم يجد الإزار والخفاف لمن لم يجد النعال " فذكر الخفاف بصيغة الجمع معرفة بلام التعريف ، وهذا يقتضي الشمول والاستغراق ، فلو أراد بذلك ما يقل وجوده من الخفاف ؛ لكان حملا للفظ العام على صور نادرة .
وهذا غير جائز أصلا ؛ ولهذا أبطل الناس تأويل من تأول قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015344أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها " على المكاتبة ، فكيف إذا كانت تلك الصور النادرة بعض مجازات اللفظ ؟ ! فإنه أعظم في الإحالة ، لأن من تكلم بلفظ عام ، وأراد به ما يقل به وجوده من أفراد ذلك العام ويندر ولا يسمى به إلا على وجه التجوز مع نوع قرينة - مع أن الأغلب وجودا واستعمالا غيره - لا يكون مبينا بالكلام ، بل ملغزا ، وهذا أصل ممهد في موضعه .
[ ص: 37 ] وكذلك رواية من روى : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015345من لم يجد نعلين فليلبس خفين ، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل " فإن الخفين مطلق ، وتقييد المطلق مثل تخصيص العام فلا يجوز أن يقيد بصورة نادرة الوجود ، ولا يقع عليها الاسم إلا مجازا بعيدا ، وصار مثل أن يقول : البس قميصا ، ويعني به قميصا بقرت أكمامه وفتقت أوصاله ، فإن وجود هذا نادر ، وبتقدير وجوده لا يسمونه قميصا .
ولما تفطن جماعة من أهل الفقه لمثل هذا علموا أن أحد الحديثين لا يجوز أن يعنى به ما عني بالآخر ، لم يكن لهم طريق إلا أن قالوا : هما حديث واحد فيه زيادة حفظها بعضهم ، وأغفلها غيره .
وقد بينا أنهما حديثان . وبهذا الذي ذكرنا يتبين بطلان ما قد يورد على هذا ، مثل أن يقال : التخصيص والتقييد أولى من النسخ ، أو أن من أصلنا أن العام يبنى على الخاص ، والمطلق على المقيد ، وإن كان العام والمطلق هما المتأخران في المشهور من المذهب ، فإنما ذاك حيث يجوز أن يكون التخصيص والتقييد واقعا ، فيكون الخطاب الخاص المقيد يبين مراد المتكلم من الخطاب العام المطلق . أما إذا دلنا دليل على أن المراد باللفظ إطلاقه وعمومه ، أو أن تخصيصه وتقييده لا يجوز ، أو أن اللفظ ليس موضوعا لتلك الصورة المخصوصة المقيدة ، أو كان هناك قرينة تبين قصد النسخ والتغيير ، إلى غير ذلك من الموجبات فإنه يجب المصير إليه ، وببعض ما ذكرناه صار [ قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وقاتلوا المشركين كافة ) ناسخ .
[ ص: 38 ] لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قتال فيه كبير ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ناسخا لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ) فكيف وما ذكرناه بعيد عن المطلق والمقيد .
الوجه السادس :
أن عبد الرحمن لما أنكر عليه عمر الخف قال : قد لبسته مع من هو خير منك يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد بين أنه لبس الخف مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما كان خفا صحيحا وهذا بين .
السابع : أن أكابر الصحابة ؛ مثل
عمر وعلي nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : رخصوا في
nindex.php?page=treesubj&link=3468_17718_17719لبس الخفين والسراويلات وترك قطعهما ، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى المحرم عن لبس الخفاف والسراويلات نهيا عاما قد علم ذلك كل أحد ، فترخيصهم لمن لم يجد الإزار والنعل : أن يلبس السراويل والخف لا يجوز أن يكون باجتهاد بل لا بد أن يكون عن علم عندهم بالسنة . ثم
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أمر بالقطع وغيره لم يأمر به ، بل جوز لبس الصحيح ، ومعلوم أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر اعتبر سماعه
بالمدينة ، فلو لم يكن عند الباقين علم ناسخ ينسخ ذلك ، ومجيء الرخصة في بعض ما قد كان حظر لم يحلوا الحرام ، فإن القياس لا يقتضي . . . .
الثامن : أن من أصحابنا من حمل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على جواز القطع كما سيأتي ، ويكون فائدة التخصيص أن قطعهما في غير الإحرام ينهى عنه بخلاف حال الإحرام فإن فيه فائدة وهو التشبيه بفعل المحرم ، ويقوي ذلك : أن القطع
[ ص: 39 ] كان محظورا لأنه إضاعة للمال ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن إضاعة المال ، وصيغة أفعل إذا وردت بعد حظر إنما تفيد مجرد الإذن والإباحة . وهذا الجواب فيه نظر .
فعلى هذا هل يستحب قطعهما ؟ قال بعض أصحابنا : يستحب لأن فيه احتياطا وخروجا من الخلاف .
وقال القاضي
وابن عقيل وأبو الخطاب - في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - : يحمل قوله "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015347وليقطعهما " على الجواز ، ويكون فائدة التخصيص : أنه يكره قطعهما لغير الإحرام لما فيه من الفساد ، ولا يكره للإحرام لما فيه من التشبيه بالنعلين التي هما شعار الإحرام .
وقال
أحمد - في رواية مهنا - :
ويلبس الخفين ولا يقطعهما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لا يقول فيه : يقطعهما.
هشيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن
جابر بن زيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015349إذا لم يجد المحرم نعلين فليلبس الخفين " وذكر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : وقد رواه
جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أبو الزبير عن
جابر [ ص: 40 ] وقد كره القطع
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وعكرمة ، فقالوا : القطع فساد .
وقال - في رواية
أبي طالب - : ويروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : "قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما " .
ولو كان عليه كفارة في لبسهما ما كان رخصة . وهذا الكلام يقتضي كراهة قطع الخف . وهذا أصح ؛ لأن الأمر بقطعهما منسوخ كما تقدم ، وقد اطلعوا على ما خفي على غيرهم .
فإن قيل : فهلا أوجبتم الفدية مع اللبس ، لأن أكثر ما فيه أنه قد لبس السراويل والخف لحاجة . والمحرم إذا استباح شيئا من المحظورات لحاجة فلا بد له من الفدية ، كما لو لبس القميص ، أو العمامة ، لبرد أو حر أو مرض ؟ .
قلنا : لو خيل إلينا أن هذا قياس صحيح لوجب تركه لأن الذي أوجب في حلق الرأس ونحوه للحاجة الفدية هو الذي أباح لبس السراويل والخف بغير فدية ، حيث أباح ذلك . ولو أوجب الفدية لما أمر بقطعه أولا وسما من غير فدية كما تقدم تقريره . فإذا قسنا أحدهما بالآخر كان ذلك بمنزلة قياس البيع على الربا ، فإنه لا يجوز الجمع بين ما فرق الله بينه فكيف وقد تبين لنا أنه قياس
[ ص: 41 ] فاسد ؛ وذلك أن ترك واجبات الحج وفعل محظوراته يوجب الفدية إذا فعلت لعذر خاص يكون ببعض الناس بعض الأوقات .
فأما ما رخص فيه للحاجة العامة وهو ما يحتاج إليه في كل وقت غالبا فإنه لا فدية معه ، ولهذا رخص
nindex.php?page=treesubj&link=3792_3704للرعاة والسقاة في ترك المبيت بمنى من غير كفارة لأنهم يحتاجون إلى ذلك كل عام ورخص للحائض أن تنفر قبل الوداع من غير كفارة ؛ لأن الحيض أمر معتاد غالب . فكيف بما يحتاج إليه الناس وهو الاحتذاء والاستتار ، فإنه لما احتاج إليه كل الناس - لما في تركهما من الضرر شرعا وعرفا وطبعا - لم يحتج هذا المباح إلى فدية ، لا سيما وكثيرا ما يعدل إلى السراويل والخف للفقر حيث لا يجد ثمن نعل وإزار ، فالفقر أولى بالرخصة ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الصلاة في ثوب واحد - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015350أولكلكم ثوبان " .
فإن قيل : فهو يحتاج إلى ستر منكبيه - أيضا - للصلاة ، فينبغي إذا لم يجد إزارا أن يلبس القميص .
قلنا : يمكنه أن يتشح بالقميص كهيئة الرداء من غير تغيير لصورته ، وذلك يغنيه عن لبسه على الوجه المعتاد .
الْفَصْلُ الثَّانِي : إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=17718لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَإِنَّهُ يَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ وَلَا يَفْتِقُهُ . بَلْ يَلْبَسُهُ عَلَى حَالِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=3468وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهُمَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ . هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ ، فِي رِوَايَةِ
أَبِي طَالِبٍ وَمُهَنَّا
وَإِسْحَاقَ وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ .
[ ص: 22 ] وَرَوَى عَنْهُ : أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهُمَا ؛ قَالَ - فِي رِوَايَةِ
حَنْبَلٍ -
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ عَنْ
سَالِمٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ : "
وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ " وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَخَذَ بِهِ .
وَقَدْ حَكَى
ابْنُ أَبِي مُوسَى وَغَيْرُهُ الرِّوَايَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُمَا فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - وَهُوَ مُقَيَّدٌ - فَيُقْضَى بِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ وَالسَّبَبَ وَاحِدٌ وَفِي مِثْلِ هَذَا يَجِبُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وِفَاقًا . ثُمَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ حَفِظَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ ، وَإِذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ زِيَادَةٌ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ : مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ : مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ " وَفِي لَفْظٍ "
السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
[ ص: 23 ] قَالَ
مُسْلِمٌ : لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ "
يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ " غَيْرُ
شُعْبَةٍ وَحْدَهُ .
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ
لِأَحْمَدَ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015320مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا وَوَجَدَ سَرَاوِيلَ فَلْيَلْبَسْهُ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ وَوَجَدَ خُفَّيْنِ ، فَلْيَلْبَسْهُمَا " قُلْتُ : وَلَمْ يَقُلْ: لِيَقْطَعْهُمَا ؟ "قَالَ : لَا " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015321مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15558بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً فَلَمَّا انْصَرَفَ لَبَّى ، وَلَبَّى الْقَوْمُ - وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ فَلَبَّى مَعَهُمْ كَمَا لَبَّوْا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "السَّرَاوِيلُ إِزَارُ مَنْ لَا إِزَارَ لَهُ ، وَالْخِفَافُ نَعْلَانِ مَنْ لَا نَعْلَ لَهُ " رَوَاهُ
النَّجَّادُ وَهُوَ مُرْسَلٌ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=4891عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : "
رَأَيْتُ nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَطُوفُ وَعَلَيْهِ خُفَّانِ ، قَالَ لَهُ عُمَرُ : تَطُوفُ وَعَلَيْكَ خُفَّانِ ؟ ! فَقَالَ : لَقَدْ لَبِسَهُمَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ
أَبُو حَفْصٍ فِي شَرْحِهِ، وَرَوَاهُ
[ ص: 24 ] النَّجَّادُ ، وَلَفْظُهُ : "
فَرَأَى عَلَيْهِ خُفَّيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ " .
فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلُبْسِ الْخُفَّيْنِ عِنْدَ عَدَمِ النَّعْلَيْنِ وَالسَّرَاوِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِزَارِ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَغْيِيرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِفِدْيَةٍ ، وَالنَّاسُ مُحْتَاجُونَ إِلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ كَانَ
بِعَرَفَاتٍ وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَلْقٌ عَظِيمٌ وَلَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ يَتَعَلَّمُونَ وَبِهِ يَقْتَدُونَ ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ .
فَلَوْ وَجَبَ تَغْيِيرُهُمَا ، أَوْ وَجَبَتْ فِيهِمَا فِدْيَةٌ : لَوَجَبَ بَيَانُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا وَمَنْ جَهِلَ جَوَازَ
nindex.php?page=treesubj&link=3468_17718_3787لُبْسِ الْإِزَارِ وَالْخُفَّيْنِ فَهُوَ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ أَوِ التَّغْيِيرَ وَأَجْهَلَ ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ، وَرَسُولَهُ حَيْثُ أَبَاحَ شَيْئًا لِعُذْرٍ : فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْفِدْيَةَ كَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=167لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : "
احْلِقْ رَأْسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةً أَوِ انْسُكْ شَاةً " .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّامَ فِي السَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ لِتَعْرِيفِ مَا هُوَ مَعْهُودٌ وَمَعْرُوفٌ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ وَذَلِكَ هُوَ السَّرَاوِيلُ الصَّحِيحُ وَالْخُفُّ الصَّحِيحُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَقْصُودَ الْمُتَكَلِّمِ ، وَأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ الْمَفْتُوقَ وَالْمَقْطُوعَ لَا يُسَمَّى سَرَاوِيلًا وَخُفًّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ؛ وَلِهَذَا لَا يَنْصَرِفُ الْخِطَابُ إِلَيْهِ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ كَقَوْلِهِ "
أَمَرَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا " ،
[ ص: 25 ] وَقَوْلُهُ : "
امْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا فِي خِطَابِ النَّاسِ مِثْلُ الْوِكَالَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَمَرَ بِلُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَالسَّرَاوِيلِ فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ مَا يُسَمَّى خُفًّا وَسَرَاوِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ وَإِنْ سَمَّى خُفًّا وَسَرَاوِيلَ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ بِاللَّامِ الَّذِي تَقْتَضِي تَعْرِيفَ الْحَقِيقَةِ ، أَوْ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي مُجَرَّدَ الْحَقِيقَةِ ، فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ مُسَمَّى الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ وُجُودَ الْمُعَبِّرِ عَنْ هَيْئَةِ الْخِفَافِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ نَادِرٌ جِدًّا لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَصْدٍ ، وَاللَّفْظُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ مِنْ أَفْرَادِ الْحَقِيقَةِ ، فَكَيْفَ مَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ مِنْ مَجَازَاتِهِ ؟ ! .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ لَوِ افْتَقَرَ ذَلِكَ إِلَى تَغْيِيرٍ أَوْ وَجَبَتْ فِيهِ فِدْيَةٌ : لَوَجَبَ أَنْ يُبَيِّنَ مِقْدَارَ التَّغْيِيرِ الَّذِي يُبِيحُ لُبْسَهُ ، أَوْ مِقْدَارَ الْفِدْيَةِ الْوَاجِبَةِ ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ .
وَأَيْضًا فَقَدْ رَأَى عَلَى الْأَعْرَابِيِّ سَرَاوِيلَ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَ أَنَّ السَّرَاوِيلَ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَالْخُفَّ بِمَنْزِلَةِ النَّعْلِ عِنْدَ عَدَمِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأُزُرَ وَالنَّعْلَ لَا فِدْيَةَ فِيهِمَا .
وَأَيْضًا : فَإِنَّهُ إِنَّمَا جَوَّزَ لُبْسَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ ، فَلَوِ افْتَقَرَ ذَلِكَ إِلَى تَغْيِيرٍ أَوْ وَجَبَتْ فِدْيَةٌ : لَاسْتَوَى حُكْمُ وُجُودِ الْأَصْلِ وَعَدَمِهِ فِي عَامَّةِ الْمَوَاضِعِ . وَبَيَانُ
[ ص: 26 ] ذَلِكَ أَنَّهُمَا إِذَا غُيِّرَا ؛ إِنْ صَارَا بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ وَالنَّعْلِ فَيَجُوزُ لُبْسُهُمَا مُغَيَّرَيْنِ مَعَ وُجُودِ الْإِزَارِ وَالنَّعْلِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَعْلٍ وَنَعْلٍ ، وَإِزَارٍ وَإِزَارٍ ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ : "
السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ ، وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ " فَجَعَلَهُمَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ ، وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ : "
مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ " وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015330السَّرَاوِيلُ إِزَارُ مَنْ لَا إِزَارَ لَهُ وَالْخُفَّانِ نَعْلَانِ مَنْ لَا نَعْلَ لَهُ " وَهَذَا وَاضِحٌ .
وَإِنْ لَمْ يُصَيَّرْ بِالتَّغْيِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ وَالْخُفِّ : فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّغْيِيرِ بَلْ هُوَ إِتْلَافٌ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ أَصْلًا وَإِفْسَادٌ لَهُ ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ .
وَأَيْضًا : فَإِنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ وَكُبَرَاءَهُمْ عَلَى هَذَا ؛ فَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13705الْأَسْوَدِ قَالَ : " سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قُلْتُ : مِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ ؟ قَالَ : مِنْ
ذِي الْحُلَيْفَةِ وَقَالَ : الْخُفَّانِ نَعْلَانِ لِمَنْ لَا نَعْلَ لَهُ " .
وَعَنِ
الْحَارِثِ عَنْ
عَلِيٍّ قَالَ : "السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ ، وَالْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ " .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُحْرِمُ الْإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ " .
[ ص: 27 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=16015331وَعَنْ nindex.php?page=showalam&ids=4891عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ . قَالَ : " كُنْتُ مَعَ nindex.php?page=showalam&ids=38عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - فِي سَفَرٍ - وَمَعَنَا حَادٍ ، أَوْ مُغَنٍّ ، فَأَتَاهُ عُمَرُ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ ، فَقَالَ : أَلَا أَرَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ أَذْكُرُ اللَّهَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى عَلَيْهِ خُفَّيْنِ - وَهُوَ مُحْرِمٌ - قَالَ : وَخُفَّيْنِ ؟ ! فَقَالَ : قَدْ لَبِسْتُهُمَا مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ " .
وَعَنْ مَوْلَى
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : "رَأَيْتُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=83الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ خُفَّيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقِيلَ لَهُ : مَا هَذَا ؟ ! فَقَالَ : أَمَرَتْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ بِهِ " .
وَأَمَّا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَزِيَادَتُهُ صَحِيحَةٌ مَحْفُوظَةٌ ، وَقَدْ زَعَمَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ ،
وَابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي اتِّصَالِهِ .
فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ : رَوَاهُ
مُوسَى بْنُ طَارِقٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17177مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=16867وَمَالِكٌ وَأَيُّوبُ .
قَالُوا : وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ الْقَطْعُ وَتَرْكُهُ ؛ فَإِنَّ
النَّجَّادَ رَوَى عَنْ
نَافِعٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ [ ص: 28 ] عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ " .
وَهَذَا غَلَطٌ ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ فِي اتِّصَالِهِ ، وَأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةٌ . وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015332لَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ ، وَلَا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ " وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ : مِنَ النَّاسِ مَنْ وَقَّفَهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَفَعَهَا ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ . وَهَذَا بَيِّنٌ فِي سُنَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبِي دَاوُدَ ، فَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبَا دَاوُدَ عَنَى زِيَادَةَ الْقَطْعِ : فَقَدْ غَلِطَ - عَلَيْهِ - غَلَطًا بَيِّنًا فَاحِشًا .
وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ - عَنْهُ - بِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّيْنِ وَلَا يَقْطَعَهُمَا " وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ يُفْتَى بِقَطْعِهِمَا ، قَالَتْ
صَفِيَّةُ فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُ بِهَذَا رَجَعَ .
وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ - أَيْضًا - فَإِنَّ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ . لَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَتْرُوكَةٌ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا .
وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يُقَالُ فِيهِ الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ حَفِظَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ، وَغَيْرَهُ عَقَلَهَا وَذَهَلَ عَنْهَا أَوْ نَسِيَهَا ؛ فَإِنَّ هَذَيْنِ حَدِيثَانِ تَكَلَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمَا فِي وَقْتَيْنِ وَمَكَانَيْنِ .
فَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ
بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ عَلَى مِنْبَرِهِ لَمَّا سَأَلَهُ السَّائِلُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015334عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَنْهَى النَّاسَ إِذَا أَحْرَمُوا عَمَّا يُكْرَهُ لَهُمْ ، وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مِنْبَرِهِ
بِالْمَدِينَةِ .
[ ص: 29 ] وَفِي رِوَايَةٍ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015335أَنَّ رَجُلًا نَادَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَتَقَدَّمَ فِي لَفْظٍ آخَرَ صَحِيحٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015336أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ مَا نَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ إِذَا أَحْرَمْنَا ؟ " فَعَلِمَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمُوا .
وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ وَهُوَ مُحْرِمٌ
بِعَرَفَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَدْ بُيِّنَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْقَطْعَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ : سَمِعْتُ
أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ يَقُولُ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15124وَلَيْثِ بْنِ سَعْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15662وَجُوَيْرِيَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ ، عَنْ
نَافِعٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015337نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ : مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ ؟ . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ
بِالْمَدِينَةِ ، وَحَدِيثُ
شُعْبَةَ ،
وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16705عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ
أَبِي الشَّعْثَاءِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015338أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ " هَذَا بَعْدَ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ .
فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ حَفِظَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ دُونَ غَيْرِهِ : فَقَدْ أَخْطَأَ .
[ ص: 30 ] قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ احْتَجَجْتُ عَلَى
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْتُ : وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ ، فَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ وَذَاكَ حَدِيثٌ .
وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ مُتَغَايِرَا اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فِي هَذَا مَا لَيْسَ فِي هَذَا ، وَفِي هَذَا مَا لَيْسَ فِي هَذَا .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ : فَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْحَدِيثُ الْمُتَأَخِّرُ ، فَإِمَّا أَنْ يُبْنَى عَلَى حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ وَيُقَيَّدَ بِهِ ، أَوْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهُ وَيَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ أَوَّلًا بِقَطْعِهَا ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي لُبْسِهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجِبُ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِلُبْسِ الْخِفَافِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ ، وَمُوجَبُ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ لُبْسُ الْخُفِّ الْمَعْرُوفِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ ذِكْرَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ أَوَّلًا
بِالْمَدِينَةِ ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ
بِالْمَدِينَةِ كَانُوا بَعْضَ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا
بِعَرَفَاتٍ ، وَأَكْثَرُ أُولَئِكَ الَّذِينَ جَاءُوا
بِعَرَفَاتٍ مِنَ النَّوَاحِي لَيْسُوا مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ ، بَلْ قَوْمٌ حَدِيثُوا عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ تِلْكَ الْأَيَّامِ ، وَفِيهِمُ الْأَعْرَابُ وَنَحْوُهُمْ ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ فِي الْمَوْسِمِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015198لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " . فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِلُبْسِ الْخِفَافِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَمُرَادُهُ الْخُفُّ الْمَقْطُوعُ وَالسَّرَاوِيلَاتُ الْمَفْتُوقَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ مَقَالِيَّةٌ وَلَا حَالِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، بَلِ الْقَرَائِنُ تَقْضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِالْقَطْعِ لِنَاسٍ غَيْرِهِمْ . هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ
[ ص: 31 ] ذَلِكَ تَلْبِيسٌ وَتَأْخِيرٌ لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ . وَمَا هَذَا إِلَّا بِمَثَابَةِ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِخَيَّاطٍ : خِطْ لِي قَمِيصًا أَوْ خُفًّا ، فَيَخِيطُ لَهُ صَحِيحًا ، فَيَقُولُ : إِنَّمَا أَرَدْتُ قَمِيصًا نَفِيرًا أَوْ خُفًّا مَقْطُوعًا لِأَنِّي قَدْ أَمَرْتُ بِذَلِكَ لِلْخَيَّاطِ الْآخَرِ ، فَيَقُولُ : وَإِذَا أَمَرْتَ ذَاكَ وَلَمْ تَأْمُرْنِي أَفَأَعْلَمُ الْغَيْبَ ، بَلْ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلُبْسِ الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ وَسُكُوتُهُ عَنْ تَغْيِيرِهِمَا يَدُلُّ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ سَمِعُوا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ أَرَادَ لُبْسَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَغْيِيرَهُمَا لَذَكَرَهُ ، كَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا ، كَمَا فَهِمُوا ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُكْتَفِيًا بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَاكْتَفَى بِهِ فِي أَصْلِ الْأَمْرِ بِلُبْسِ الْخُفِّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَ ، وَلَمْ يُعِدْهُ ثَانِيًا . فَإِذَا لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ أَصْلِ الْأَمْرِ فَكَيْفَ يَسْتَغْنِي عَنْ صِفَتِهِ وَيَتْرُكُهُ مُلَبَّسًا مُدَلَّسًا ، وَقَدْ كَانَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ أَصْلِهِ وَصِفَتِهِ أَوْلَى فِي الْبَيَانِ - لَوْ كَانَ حَاصِلًا بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ - مِنْ ذِكْرِ لَفْظٍ يُفْهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ .
الثَّانِي : أَنَّ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ : وَهُمْ
بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ مُطْلَقًا كَمَا نَهَى عَنْ لُبْسِ الْعِمَامَةِ وَالْقَمِيصِ وَلَمْ
[ ص: 32 ] يَأْذَنْ فِي لُبْسِهِ بِحَالٍ ، وَنَهَى عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ إِلَّا إِذَا عُدِمَ النَّعْلُ فَيُلْبَسُ مَقْطُوعًا . فَفَهِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ الْأَمْرَ بِالْقَطْعِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِعُمُومِ الْخِطَابِ لَهُمَا كَمَا عَمَّهُمُ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِ ثَوْبٍ مَسَّهُ وَرْسٌ أَوْ زَعْفَرَانٌ ، وَإِنْ لَمْ يَعُمُّهُمُ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِ ثَوْبِ الْقَمِيصِ وَالْبَرَانِسِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى سَتْرِ بَدَنِهَا وَرَأْسِهَا ، فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ تُعْلِمُهُ أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ بِهَا حَاجَةٌ إِلَى الْخُفِّ الصَّحِيحِ ، فَجَوَّزَ أَنْ تُنْهَى عَنْ لُبْسِ مَا يُصْنَعُ لِرِجْلِهَا كَمَا نُهِيَتْ عَنِ الْقُفَّازِ وَالنِّقَابِ ، فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ وَهَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ إِلَّا أَنْ يَفْتِقَهُ ، أَوْ يُفْتَدَى بِلُبْسِهِ صَحِيحًا . وَكَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ عَدَمَ الْإِزَارِ وَالنَّعْلِ لَا يُبِيحُ غَيْرَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ ، وَذَكَرَ هَذَا فِي ضِمْنِ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَابِسِ ؛ مِثْلِ الْعِمَامَةِ وَالْبُرْنُسِ وَالْقَمِيصِ وَالْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانِ .
فَمَضْمُونُ هَذَا الْحَدِيثِ : هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مِنَ اللِّبَاسِ لِيَجْتَنِبَهُ النَّاسُ فِي إِحْرَامِهِمْ ، وَكَانَ قَطْعُ الْخُفِّ إِذْ ذَاكَ مَأْمُورًا بِهِ ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ إِتِّبَاعًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَيْثُ لَا رُخْصَةَ فِي الْبَدَلِ ، ثُمَّ جَاءَ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ - بَعْدَ هَذَا -
بِعَرَفَةَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ ، إِنَّمَا فِيهِ : الْأَمْرُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ أَنْ يَلْبَسَ السَّرَاوِيلَ ، وَلِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَ أَنْ يَلْبَسَ الْخُفَّ ، وَتَرَكَ ذِكْرَ بَقِيَّةِ الْمَلَابِسِ وَهَذَا يُبَيِّنُ لِذِي لُبٍّ أَنَّ هَذِهِ رُخْصَةٌ بَعْدَ نَهْيٍ حَيْثُ رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَيَّامِ الْإِحْرَامِ الْمَشَقَّةَ وَالضَّرُورَةَ بِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَى السَّرَاوِيلَاتِ وَالْخِفَافِ ، فَرَخَّصَ فِيهِمَا بَدَلًا عَنِ الْإِزَارِ وَالنَّعْلِ ، وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ بَقِيَّةِ الْمَلَابِسِ إِذْ لَا بَدَلَ لَهَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى الْبَدَلِ مِنْهَا .
فَإِنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً عَامَّةً إِلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ شَرْعًا ، وَبِهِمْ حَاجَةٌ عَامَّةٌ إِلَى الِاحْتِذَاءِ طَبْعًا ، فَإِنَّ الِاحْتِفَاءَ فِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَمَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ خُصُوصًا عَلَى الْمُسَافِرِينَ فِي مِثْلِ أَرْضِ الْحِجَازِ . وَاقْتَطَعَ ذِكْرَ الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ دُونَ غَيْرِهِ : لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ إِنْشَاءُ حُكْمٍ - غَيْرِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ - وَبَيَانُهُ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودُهُ إِعَادَةَ مَا كَانَ ذَكَرَهُ
[ ص: 33 ] بِالْمَدِينَةِ . إِذْ لَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ بَيَانَ أَنْوَاعِ الْمَلَابِسِ لَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ بِالْمَدِينَةِ ، فَسَمِعَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَغَيْرُهُمَا ، وَأَفْتَى بِمَضْمُونِهِ خِيَارُ الصَّحَابَةِ وَعَامَّتُهُمْ ، وَلَمْ يَسْمَعِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ هَذَا فَبَقِيَ يُفْتِي بِمَا سَمِعَهُ أَوَّلًا .
كَمَا أَنَّ حَدِيثَهُ فِي الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ فِيهِ مِيقَاتُ
أَهْلِ الْيَمَنِ ، لِأَنَّهُ وَقْتٌ بَعْدُ ، وَكَمَا أَفْتَى النِّسَاءَ بِالْقَطْعِ حَتَّى حَدَّثَتْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ nindex.php?page=hadith&LINKID=16015339أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخِفَافِ مُطْلَقًا ، أَوْ أَنَّهُنَّ لَمْ يَعْنِينَ بِهَذَا الْخِطَابِ .
وَلِهَذَا أَخَذَ بِحَدِيثِهِ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ فِي أَنَّ السَّرَاوِيلَ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ ، وَأَنَّ لَابِسَهُ لِلْحَاجَةِ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مُوجَبُ حَدِيثِهِ . فَإِذَا نُسِخَ مُوجَبُ حَدِيثِهِ فِي السَّرَاوِيلِ : نُسِخَ مُوجَبُهُ فِي الْخُفِّ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا وَسَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ .
قَالَ
مَالِكٌ وَقَدْ سُئِلَ . . . النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015340مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ " قَالَ
مَالِكٌ : لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا ، وَلَا أَرَى أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ سَرَاوِيلَ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلَاتِ فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَلْبَسَهَا ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا كَمَا اسْتَثْنَى فِي الْخُفَّيْنِ .
فَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَدْ أَحْسَنَ فِيمَا فَهِمَ مِمَّا سَمِعَ .
[ ص: 34 ] الثَّالِثُ : أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015341الْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَالسَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ " لَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْخُفَّ الْمَقْطُوعَ لَوَجَبَ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ السَّرَاوِيلَ الْمَفْتُوقَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقَطْعِ الْخُفِّ تَشْبِيهُهُ بِالنَّعْلِ، فَكَذَلِكَ السَّرَاوِيلُ يَنْبَغِي أَنْ يُشَبَّهَ بِالْإِزَارِ ، بَلْ فَتْقُ السَّرَاوِيلِ أَوْلَى لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَخِيطٌ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ الْخُفُّ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَيْسَ فِي فَتْقِهِ إِفْسَادٌ لَهُ ، بَلْ يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ سَرَاوِيلًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِحْرَامِ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّ فَتْقَ السَّرَاوِيلِ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ حَتَّى يَجُوزَ لُبْسُهُ مَعَ وُجُودِ الْإِزَارِ بِالْإِجْمَاعِ ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْخُفِّ ، فَإِنَّهُ يُقَرِّبُهُ إِلَى النَّعْلِ وَلَا يَجْعَلُهُ مِثْلَهُ . فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ إِلَّا السَّرَاوِيلَ الْمَعْرُوفَ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْخُفُّ أَوْلَى أَنْ لَا يُقْصَدَ بِهِ إِلَّا الْخُفُّ الْمَعْرُوفُ . وَإِنْ جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ إِلَّا مِنَ الْقَطْعِ : جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالْمَعْنَى الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ ، وَهُوَ تَغْيِيرُ صُورَتِهِ إِلَى مَا يَجُوزُ لُبْسُهُ ، وَذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ ، بَلْ هُوَ بِالسَّرَاوِيلِ أَوْلَى فَإِنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ جَائِزٌ كَتَقْيِيدِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ . لَكِنَّ هَذَا بَاطِلٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَالْآخَرُ مِثْلُهُ . وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مُهَنَّا
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ حَكَى لَهُ أَنَّهُ نَاظَرَ بَعْضَ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي قَطْعِ الْخُفَّيْنِ ، وَأَنَّ سَبِيلَ السَّرَاوِيلِ وَسَبِيلَ الْخُفِّ وَاحِدٌ . فَتَبَسَّمَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، وَقَالَ : مَا أَحْسَنَ مَا احْتَجَجْتَ عَلَيْهِ .
[ ص: 35 ] الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ الْمُطْلَقَ إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ إِذَا كَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِغَيْرِهِ ، فَيَتَبَيَّنُ بِاللَّفْظِ الْمُقَيَّدِ أَنَّمَا الْمُرَادُ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ ، مِثْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) فَإِنَّهُ اسْمٌ مُطْلَقٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُؤْمِنَةُ وَالْكَافِرَةُ ، فَإِذَا عُنِيَ بِهِ الْمُؤْمِنَةُ جَازَ لِأَنَّهَا رَقَبَةٌ وَزِيَادَةٌ . وَكَذَلِكَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَصْلُحُ لِلْمُتَتَابِعَةِ وَلِلْمُتَفَرِّقَةِ ، فَإِذَا بَيَّنَ أَنَّهَا مُتَتَابِعَةٌ جَازَ .
وَهُنَا أَمَرَ بِلُبْسِ الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ ، وَمَتَى قُطِعَ الْخُفُّ حَتَّى صَارَ كَالْحِذَاءِ وَفُتِقَ السَّرَاوِيلُ حَتَّى صَارَ إِزَارًا : لَمْ يَبْقَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُفٍّ وَلَا سَرَاوِيلَ . وَلِهَذَا إِذَا قِيلَ امْسَحْ عَلَى الْخُفِّ ، وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ ، وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْمَقْطُوعُ وَالْمَدَاسُ ، وَلَا يُعْرَفُ فِي الْكَلَامِ أَنَّ الْمَقْطُوعَ وَالْمَدَاسَ وَنَحْوَهُمَا يُسَمَّى خُفًّا ، وَلِهَذَا فِي حَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015342فَلْيَلْبَسْ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ " فَسَمَّاهُمَا خُفَّيْنِ قَبْلَ الْقَطْعِ ، وَأَمَرَ بِقَطْعِهِمَا كَمَا يُقَالُ : افْتِقِ السَّرَاوِيلَ إِزَارًا ، وَاجْعَلِ الْقَمِيصَ رِدَاءً ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَمَّى قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ . فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْطُوعَ لَا يُسَمَّى بَعْدَ قَطْعِهِ خُفًّا أَصْلًا ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ : خُفٌّ مَقْطُوعٌ ، كَمَا يُقَالُ : قَمِيصٌ مَفْتُوقٌ وَهُوَ بَعْدَ الْفَتْقِ لَيْسَ بِقَمِيصٍ وَلَا سَرَاوِيلَ ، وَكَمَا يُقَالُ : حَيَوَانٌ مَيِّتٌ ، وَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِحَيَوَانٍ أَصْلًا . فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْحَيَوَانِ : الشَّيْءُ الَّذِي بِهِ حَيَاةٌ ، وَكَمَا يُقَالُ لِعِظَامِ الْفَرَسِ : هَذَا فَرَسٌ مَيِّتٌ ، وَيُقَالُ لِخَلِّ الْخَمْرِ : هَذَا خَمْرٌ مُسْتَحِيلٌ . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ خَمْرًا ؛ يُسَمَّى الشَّيْءُ بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ إِذَا وُصِفَ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآنَ ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ يُنْبِئُ عَنْ حَقِيقَتِهِ ، فَإِذَا ذُكِرَ الِاسْمُ وَحْدَهُ : لَمْ يَجُزْ أَنْ يُرَادَ بِهِ إِلَّا مَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ هُنَا بِلُبْسِ الْخُفِّ ، وَمَا تَحْتَ الْكَعْبِ لَا يُسَمَّى خُفًّا ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ، فَضْلًا عَنْ تَقْيِيدِهِ بِهِ ، بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ ، وَالْأَيَّامِ الْمُتَتَابِعَاتِ فَإِنَّهَا رَقَبَةٌ وَأَيَّامٌ ، وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ .
[ ص: 36 ] الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّهُ لَوْ سَمَّى خُفًّا فَإِنَّ وُجُودَهُ نَادِرٌ ، فَإِنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى الْخِفَافِ الصِّحَّةُ ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُ الْخُفَّ مَنْ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015343السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النِّعَالَ " فَذَكَرَ الْخِفَافَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مُعَرَّفَةً بِلَامِ التَّعْرِيفِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي الشُّمُولَ وَالِاسْتِغْرَاقَ ، فَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَقِلُّ وُجُودُهُ مِنَ الْخِفَافِ ؛ لَكَانَ حَمْلًا لِلَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى صُوَرٍ نَادِرَةٍ .
وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ أَصْلًا ؛ وَلِهَذَا أَبْطَلَ النَّاسُ تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015344أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا " عَلَى الْمُكَاتَبَةِ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الصُّوَرُ النَّادِرَةُ بَعْضَ مَجَازَاتِ اللَّفْظِ ؟ ! فَإِنَّهُ أَعْظَمُ فِي الْإِحَالَةِ ، لِأَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ عَامٍّ ، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَقِلُّ بِهِ وُجُودُهُ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ وَيَنْدُرُ وَلَا يُسَمَّى بِهِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّجَوُّزِ مَعَ نَوْعِ قَرِينَةٍ - مَعَ أَنَّ الْأَغْلَبَ وُجُودًا وَاسْتِعْمَالًا غَيْرُهُ - لَا يَكُونُ مُبَيِّنًا بِالْكَلَامِ ، بَلْ مُلْغِزًا ، وَهَذَا أَصْلٌ مُمَهَّدٌ فِي مَوْضِعِهِ .
[ ص: 37 ] وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015345مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ " فَإِنَّ الْخُفَّيْنِ مُطْلَقٌ ، وَتَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ مِثْلُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ بِصُورَةٍ نَادِرَةِ الْوُجُودِ ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا الِاسْمُ إِلَّا مَجَازًا بَعِيدًا ، وَصَارَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : الْبَسْ قَمِيصًا ، وَيَعْنِي بِهِ قَمِيصًا بُقِرَتْ أَكْمَامُهُ وَفُتِقَتْ أَوْصَالُهُ ، فَإِنَّ وُجُودَ هَذَا نَادِرٌ ، وَبِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَا يُسَمُّونَهُ قَمِيصًا .
وَلَمَّا تَفَطَّنَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ لِمِثْلِ هَذَا عَلِمُوا أَنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْنَى بِهِ مَا عُنِيَ بِالْآخَرِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَرِيقٌ إِلَّا أَنْ قَالُوا : هُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِيهِ زِيَادَةٌ حَفِظَهَا بَعْضُهُمْ ، وَأَغْفَلَهَا غَيْرُهُ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ . وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ مَا قَدْ يُورِدُ عَلَى هَذَا ، مِثْلُ أَنْ يُقَالَ : التَّخْصِيصُ وَالتَّقْيِيدُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ ، أَوْ أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْعَامَّ يُبْنَى عَلَى الْخَاصِّ ، وَالْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ وَالْمُطْلَقُ هُمَا الْمُتَأَخِّرَانِ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ ، فَإِنَّمَا ذَاكَ حَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ وَالتَّقْيِيدُ وَاقِعًا ، فَيَكُونُ الْخِطَابُ الْخَاصُّ الْمُقَيَّدُ يُبَيِّنُ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ . أَمَّا إِذَا دَلَّنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ إِطْلَاقُهُ وَعُمُومُهُ ، أَوْ أَنَّ تَخْصِيصَهُ وَتَقْيِيدَهُ لَا يَجُوزُ ، أَوْ أَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِتِلْكَ الصُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْمُقَيَّدَةِ ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تُبَيِّنُ قَصْدَ النَّسْخِ وَالتَّغْيِيرِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُوجِبَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ، وَبِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ صَارَ [ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=36وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ) نَاسِخٌ .
[ ص: 38 ] لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) نَاسِخًا لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) فَكَيْفَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ بَعِيدٌ عَنِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ :
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ عُمَرُ الْخُفَّ قَالَ : قَدْ لَبِسْتُهُ مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَبِسَ الْخُفَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ خُفًّا صَحِيحًا وَهَذَا بَيِّنٌ .
السَّابِعُ : أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ ؛ مِثْلَ
عُمَرَ وَعَلِيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=38وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ : رَخَّصُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=3468_17718_17719لُبْسِ الْخُفَّيْنِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَتَرْكِ قَطْعِهِمَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الْخِفَافِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ نَهْيًا عَامًّا قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ كُلُّ أَحَدٍ ، فَتَرْخِيصُهُمْ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْإِزَارَ وَالنَّعْلَ : أَنْ يَلْبَسَ السَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَهُمْ بِالسُّنَّةِ . ثُمَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ أَمَرَ بِالْقَطْعِ وَغَيْرُهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ ، بَلْ جَوَّزَ لُبْسَ الصَّحِيحِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ اعْتُبِرَ سَمَاعُهُ
بِالْمَدِينَةِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَاقِينَ عِلْمٌ نَاسِخٌ يَنْسَخُ ذَلِكَ ، وَمَجِيءُ الرُّخْصَةِ فِي بَعْضِ مَا قَدْ كَانَ حُظِرَ لَمْ يُحِلُّوا الْحَرَامَ ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِي . . . .
الثَّامِنُ : أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ عَلَى جَوَازِ الْقَطْعِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَيَكُونُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ أَنَّ قَطْعَهُمَا فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ يُنْهَى عَنْهُ بِخِلَافِ حَالِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهُوَ التَّشْبِيهُ بِفِعْلِ الْمُحْرِمِ ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ : أَنَّ الْقَطْعَ
[ ص: 39 ] كَانَ مَحْظُورًا لِأَنَّهُ إِضَاعَةٌ لِلْمَالِ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ ، وَصِيغَةُ أَفْعَلَ إِذَا وَرَدَتْ بَعْدَ حَظْرٍ إِنَّمَا تُفِيدُ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ . وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ .
فَعَلَى هَذَا هَلْ يُسْتَحَبُّ قَطْعُهُمَا ؟ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ .
وَقَالَ الْقَاضِي
وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ - فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ - : يُحْمَلُ قَوْلُهُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015347وَلْيَقْطَعْهُمَا " عَلَى الْجَوَازِ ، وَيَكُونُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ : أَنَّهُ يُكْرَهُ قَطْعُهُمَا لِغَيْرِ الْإِحْرَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ ، وَلَا يُكْرَهُ لِلْإِحْرَامِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالنَّعْلَيْنِ الَّتِي هُمَا شِعَارُ الْإِحْرَامِ .
وَقَالَ
أَحْمَدُ - فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا - :
وَيَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَلَا يَقْطَعُهُمَا حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَقُولُ فِيهِ : يَقْطَعُهُمَا.
هُشَيْمٌ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16705عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ
جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015349إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ " وَذَكَرَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : وَقَدْ رَوَاهُ
جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ
جَابِرٍ [ ص: 40 ] وَقَدْ كَرِهَ الْقَطْعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ ، فَقَالُوا : الْقَطْعُ فَسَادٌ .
وَقَالَ - فِي رِوَايَةِ
أَبِي طَالِبٍ - : وَيُرْوَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : "قَطْعُ الْخُفَّيْنِ فَسَادٌ يَلْبَسُهُمَا كَمَا هُمَا " .
وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فِي لُبْسِهِمَا مَا كَانَ رُخْصَةً . وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ قَطْعِ الْخُفِّ . وَهَذَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَطْعِهِمَا مَنْسُوخٌ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَدِ اطَّلَعُوا عَلَى مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِمْ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا أَوْجَبْتُمُ الْفِدْيَةَ مَعَ اللُّبْسِ ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَدْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ وَالْخُفَّ لِحَاجَةٍ . وَالْمُحْرِمُ إِذَا اسْتَبَاحَ شَيْئًا مِنَ الْمَحْظُورَاتِ لِحَاجَةٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْفِدْيَةِ ، كَمَا لَوْ لَبِسَ الْقَمِيصَ ، أَوِ الْعِمَامَةَ ، لِبَرْدٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ مَرَضٍ ؟ .
قُلْنَا : لَوْ خُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَوَجَبَ تَرْكُهُ لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ لِلْحَاجَةِ الْفِدْيَةَ هُوَ الَّذِي أَبَاحَ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ ، حَيْثُ أَبَاحَ ذَلِكَ . وَلَوْ أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ لَمَا أَمَرَ بِقَطْعِهِ أَوَّلًا وَسْمًا مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ . فَإِذَا قِسْنَا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى الرِّبَا ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ فَكَيْفَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّهُ قِيَاسٌ
[ ص: 41 ] فَاسِدٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ تَرْكَ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَفِعْلَ مَحْظُورَاتِهِ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ إِذَا فُعِلَتْ لِعُذْرٍ خَاصٍّ يَكُونُ بِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ .
فَأَمَّا مَا رُخِّصَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ غَالِبًا فَإِنَّهُ لَا فِدْيَةَ مَعَهُ ، وَلِهَذَا رُخِّصَ
nindex.php?page=treesubj&link=3792_3704لِلرُّعَاةِ وَالسُّقَاةِ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ وَرُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ قَبْلَ الْوَدَاعِ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَمْرٌ مُعْتَادٌ غَالِبٌ . فَكَيْفَ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ وَهُوَ الِاحْتِذَاءُ وَالِاسْتِتَارُ ، فَإِنَّهُ لَمَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ كُلُّ النَّاسِ - لِمَا فِي تَرْكِهِمَا مِنَ الضَّرَرِ شَرْعًا وَعُرْفًا وَطَبْعًا - لَمْ يَحْتَجْ هَذَا الْمُبَاحُ إِلَى فِدْيَةٍ ، لَا سِيَّمَا وَكَثِيرًا مَا يَعْدِلُ إِلَى السَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ لِلْفَقْرِ حَيْثُ لَا يَجِدُ ثَمَنَ نَعْلٍ وَإِزَارٍ ، فَالْفَقْرُ أَوْلَى بِالرُّخْصَةِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015350أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ " .
فَإِنْ قِيلَ : فَهُوَ يَحْتَاجُ إِلَى سَتْرِ مَنْكِبَيْهِ - أَيْضًا - لِلصَّلَاةِ ، فَيَنْبَغِي إِذَا لَمْ يَجِدْ إِزَارًا أَنْ يَلْبَسَ الْقَمِيصَ .
قُلْنَا : يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّشِحَ بِالْقَمِيصِ كَهَيْئَةِ الرِّدَاءِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِصُورَتِهِ ، وَذَلِكَ يُغْنِيهِ عَنْ لُبْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ .