( وأما بنعمة ربك فحدث )
[ ص: 200 ] ثم قوله تعالى : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) وفيه وجوه :
أحدها : قال : تلك النعمة هي القرآن ، فإن مجاهد محمد عليه السلام ، والتحديث به أن يقرأه ويقرئ غيره ويبين حقائقه لهم . القرآن أعظم ما أنعم الله به على
وثانيها : روي أيضا عن : أن تلك النعمة هي النبوة ، أي بلغ ما أنزل إليك من ربك . مجاهد
وثالثها : إذا وفقك الله فراعيت حق اليتيم والسائل ، وذلك التوفيق نعمة من الله عليك فحدث بها ليقتدي بك غيرك ، ومنه ما روي عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال : إذا علمت خيرا فحدث إخوانك ليقتدوا بك ، إلا أن هذا إنما يحسن إذا لم يتضمن رياء ، وظن أن غيره يقتدي به ، ومن ذلك لما سئل أمير المؤمنين علي عليه السلام عن الصحابة فأثنى عليهم وذكر خصالهم ، فقالوا له : فحدثنا عن نفسك فقال : مهلا ، فقد نهى الله عن التزكية فقيل له : أليس الله تعالى يقول : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) فقال : فإني أحدث ، كنت إذا سئلت أعطيت وإذا سكت ابتديت ، وبين الجوانح علم جم فاسألوني ، فإن قيل : فما الحكمة في أن ؟ قلنا : فيه وجوه : أخر الله تعالى حق نفسه عن حق اليتيم والعائل
أحدها : كأنه يقول : أنا غني وهما محتاجان وتقديم حق المحتاج أولى .
وثانيها : أنه وضع في حظهما الفعل ورضي لنفسه بالقول .
وثالثها : أن المقصود من جميع الطاعات استغراق القلب في ذكر الله تعالى ، فجعل خاتمة هذه الطاعات حتى تكون ختم الطاعات على ذكر الله ، واختار قوله : ( تحدث القلب واللسان بنعم الله تعالى فحدث ) على قوله فخبر ، ليكون ذلك حديثا عنده لا ينساه ، ويعيده مرة بعد أخرى ، والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .