( كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية )
قوله تعالى : ( كذبت ثمود وعاد بالقارعة ) .
( القارعة ) هي التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال ، والسماء بالانشقاق والانفطار ، والأرض والجبال بالدك والنسف ، والنجوم بالطمس والانكدار ، وإنما قال : ( كذبت ثمود وعاد بالقارعة ) ولم يقل : بها ، ليدل على أن معنى القرع حاصل في الحاقة ، فيكون ذلك زيادة على وصف شدتها . ولما ذكرها وفخمها أتبع ذلك بذكر من كذب بها ، وما حل بهم بسبب التكذيب تذكيرا لأهل مكة ، وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم .
قوله تعالى : ( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية )
اعلم أن في الطاغية أقوالا :
الأول : أن الطاغية هي الواقعة المجاوزة للحد في الشدة والقوة ، قال تعالى : ( إنا لما طغى الماء ) ( الحاقة : 11 ) أي جاوز الحد ، وقال : ( ما زاغ البصر وما طغى ) ( النجم : 17 ) فعلى هذا القول : الطاغية نعت محذوف ، واختلفوا في ذلك المحذوف ، فقال بعضهم : إنها الصيحة المجاوزة في القوة والشدة للصيحات ، قال تعالى : ( إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ) ( القمر : 31 ) وقال بعضهم : إنها الرجفة ، وقال آخرون : إنها الصاعقة .
والقول الثاني : أن الطاغية ههنا الطغيان ، فهي مصدر كالكاذبة والباقية والعاقبة والعافية ، أي أهلكوا بطغيانهم على الله ؛ إذ كذبوا رسله وكفروا به ، وهو منقول عن ، والمتأخرون طعنوا فيه من وجهين : ابن عباس
الأول : وهو الذي قاله الزجاج : أنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيء الذي وقع به العذاب ، وهو قوله تعالى : ( بريح صرصر ) وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تكون المناسبة حاصلة .
والثاني : وهو الذي قاله القاضي : وهو أنه لو كان المراد ما قالوه ، لكان من حق الكلام أن يقال : أهلكوا لها ولأجلها .
والقول الثالث : ( بالطاغية ) أي ، فتآمروا بعقر الناقة فعقروها ، أي أهلكوا بشؤم فرقتهم الطاغية ، ويجوز أن يكون المراد بالطاغية ذلك الرجل الواحد الذي أقدم على عقر الناقة وأهلك الجميع ؛ لأنهم رضوا بفعله وقيل له : طاغية ، كما يقول : فلان راوية الشعر ، وداهية وعلامة ونسابة . بالفرقة التي طغت من جملة ثمود
قوله تعالى : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ) الصرصر الشديدة الصوت لها صرصرة وقيل : الباردة من الصر كأنها التي كرر فيها البرد وكثر ، فهي تحرق بشدة بردها ، وأما العاتية ففيها أقوال :
الأول : قال الكلبي : عتت على خزنتها يومئذ ، فلم يحفظوا كم خرج منها ، ولم يخرج قبل ذلك ، ولا بعده منها شيء إلا بقدر معلوم ، قال عليه الصلاة والسلام : طغى الماء على خزانه يوم نوح ، ، فلم يكن لها عليها سبيل وعتت الريح على خزانها يوم عاد ، فعلى هذا القول : هي عاتية على الخزان .
الثاني : قال عطاء عن : يريد [ ص: 92 ] الريح عتت على ابن عباس عاد فما قدروا على ردها بحيلة من استتار ببناء أو استناد إلى جبل ، فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم .
القول الثالث : أن هذا ليس من العتو الذي هو عصيان ، إنما هو بلوغ الشيء وانتهاؤه ، ومنه قولهم : عتا النبت ، أي بلغ منتهاه وجف ، قال تعالى : ( وقد بلغت من الكبر عتيا ) ( مريم : 8 ) فعاتية أي بالغة منتهاها في القوة والشدة .