[ ص: 3 ] ( سورة يونس )
مكية ، إلا الآيات : 40 و 94 و 95 و 96 فمدنية
وآياتها 109 نزلت بعد الإسراء
بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر تلك آيات الكتاب الحكيم )
عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : أن هذه السورة مكية إلا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين ) فإنها مدنية نزلت في
اليهود .
قوله جل جلاله (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28981_28923_28920_28926_28935_28938قرأ نافع وابن كثير وعاصم ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) بفتح الراء على التفخيم ، وقرأ
أبو عمرو وحمزة والكسائي ويحيى عن
أبي بكر بكسر الراء على الإمالة . وروي عن
نافع وابن عامر وحماد عن
عاصم ، بين الفتح والكسر ، واعلم أن كلها لغات صحيحة . قال
الواحدي : الأصل ترك الإمالة في هذه الكلمات نحو ما ولا ؛ لأن ألفاتها ليست منقلبة عن الياء ، وأما من أمال فلأن هذه الألفاظ أسماء للحروف المخصوصة ، فقصد بذكر الإمالة التنبيه على أنها أسماء لا حروف .
المسألة الثانية : اتفقوا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28981قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) وحده ليس آية ، واتفقوا على أن قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه ) وحده آية . والفرق أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) لا يشاكل مقاطع الآي التي بعده بخلاف قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه ) فإنه يشاكل مقاطع الآي التي بعده .
المسألة الثالثة : الكلام المستقصى في تفسير هذا النوع من الكلمات قد تقدم في أول سورة البقرة إلا أنا نذكر هاهنا أيضا بعض ما قيل . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) معناه أنا الله أرى . وقيل : أنا الرب لا رب غيري . وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) و ( حم ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن ) اسم الرحمن .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28981_28867_29568تلك آيات الكتاب الحكيم ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك ) يحتمل أن يكون إشارة إلى ما في هذه السورة من الآيات ، ويحتمل أن
[ ص: 4 ] يكون إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن ، وأيضا فالكتاب الحكيم يحتمل أن يكون المراد منه هو القرآن ، ويحتمل أن يكون المراد منه غير القرآن ، وهو الكتاب المخزون المكنون عند الله تعالى ، الذي منه نسخ كل كتاب ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=77إنه لقرآن كريم nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=78في كتاب مكنون ) [ الواقعة : 77 ، 78 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بل هو قرآن مجيد nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=22في لوح محفوظ ) [ البروج : 21 ، 22 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) [ الزخرف : 4 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) [ الرعد : 39 ] .
وإذا عرفت ما ذكرنا من الاحتمالات تحصل هاهنا حينئذ وجوه أربعة من الاحتمالات :
الاحتمال الأول أن يقال : المراد من لفظة (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك ) الإشارة إلى الآيات الموجودة في هذه السورة ، فكان التقدير : تلك الآيات هي آيات الكتاب الحكيم الذي هو القرآن ، وذلك لأنه تعالى وعد رسوله عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ولا يغيره كرور الدهر ، فالتقدير أن تلك الآيات الحاصلة في سورة (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) هي آيات ذلك الكتاب المحكم الذي لا يمحوه الماء .
الاحتمال الثاني : أن يقال : المراد أن تلك الآيات الموجودة في هذه السورة هي آيات الكتاب المخزون المكنون عند الله .
واعلم أن على هذين القولين تكون الإشارة بقولنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك ) إلى آيات هذه السورة وفيه إشكال ، وهو أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك ) يشار بها إلى الغائب ، وآيات هذه السورة حاضرة ، فكيف يحسن أن يشار إليه بلفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك ) ؟ !
واعلم أن هذا السؤال قد سبق مع جوابه في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ) [ البقرة : 1 / 2 ] .
الاحتمال الثالث والرابع : أن يقال : لفظ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك ) إشارة إلى ما تقدم هذه السورة من آيات القرآن ، والمراد بها : هي آيات القرآن الحكيم ، والمراد أنها هي آيات ذلك الكتاب المكنون المخزون عند الله تعالى ، وفي الآية قولان آخران :
أحدهما : أن يكون المراد من (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الكتاب الحكيم ) التوراة والإنجيل ، والتقدير : أن الآيات المذكورة في هذه السورة هي الآيات المذكورة في التوراة والإنجيل ، والمعنى : أن القصص المذكورة في هذه السورة موافقة للقصص المذكورة في التوراة والإنجيل ، مع أن
محمدا عليه الصلاة والسلام ما كان عالما بالتوراة والإنجيل ، فحصول هذه الموافقة لا يمكن إلا إذا خص الله تعالى
محمدا بإنزال الوحي عليه . والثاني : وهو قول
أبي مسلم : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) إشارة إلى حروف التهجي ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر تلك آيات الكتاب ) يعني : هذه الحروف هي الأشياء التي جعلت آيات وعلامات لهذا الكتاب الذي به وقع التحدي . فلولا امتياز هذا الكتاب عن كلام الناس بالوصف المعجز ، وإلا لكان اختصاصه بهذا النظم دون سائر الناس القادرين على التلفظ بهذه الحروف محالا .
المسألة الثانية : في
nindex.php?page=treesubj&link=29568وصف الكتاب بكونه حكيما وجوه :
الأول : أن الحكيم هو ذو الحكمة بمعنى اشتمال الكتاب على الحكمة .
الثاني : أن يكون المراد وصف الكلام بصفة من تكلم به . قال
الأعشى :
وغريبة تأتي الملوك حكيمة قد قلتها ليقال من ذا قالها
الثالث : قال الأكثرون (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الحكيم ) بمعنى الحاكم ، فعيل بمعنى فاعل ، دليله قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس ) [ البقرة : 213 ] فالقرآن كالحاكم في الاعتقادات لتميز حقها عن باطلها ،
[ ص: 5 ] وفي الأفعال لتميز صوابها عن خطئها ، وكالحاكم على أن
محمدا صادق في دعوى النبوة ؛ لأن المعجزة الكبرى لرسولنا عليه الصلاة والسلام ليست إلا القرآن . الرابع : أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الحكيم ) بمعنى المحكم . والإحكام معناه المنع من الفساد ، فيكون المراد منه أنه لا يمحوه الماء ولا تحرقه النار ولا تغيره الدهور . أو المراد منه براءته عن الكذب والتناقض . الخامس : قال
الحسن : وصف الكتاب بالحكيم ؛ لأنه تعالى حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه ، فعلى هذا (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الحكيم ) يكون معناه المحكوم فيه . السادس : أن (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الحكيم ) في أصل اللغة : عبارة عن الذي يفعل الحكمة والصواب ، فكان وصف القرآن به مجازا ، ووجه المجاز هو أنه يدل على الحكمة والصواب ، فمن حيث إنه يدل على هذه المعاني صار كأنه هو الحكيم في نفسه .
[ ص: 3 ] ( سُورَةُ يُونُسَ )
مَكِّيَّةٌ ، إِلَّا الْآيَاتِ : 40 وَ 94 وَ 95 وَ 96 فَمَدَنِيَّةٌ
وَآيَاتُهَا 109 نَزَلَتْ بَعْدَ الْإِسْرَاءِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ )
عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=40وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ ) فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ فِي
الْيَهُودِ .
قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28981_28923_28920_28926_28935_28938قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٌ وَعَاصِمٌ ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى التَّفْخِيمِ ، وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَحْيَى عَنْ
أَبِي بَكْرٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى الْإِمَالَةِ . وَرُوِيَ عَنْ
نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَحَمَّادٍ عَنْ
عَاصِمٍ ، بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ . قَالَ
الْوَاحِدِيُّ : الْأَصْلُ تَرْكُ الْإِمَالَةِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ نَحْوَ مَا وَلَا ؛ لِأَنَّ أَلِفَاتِهَا لَيْسَتْ مُنْقَلِبَةً عَنِ الْيَاءِ ، وَأَمَّا مَنْ أَمَالَ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أَسْمَاءٌ لِلْحُرُوفِ الْمَخْصُوصَةِ ، فَقَصَدَ بِذِكْرِ الْإِمَالَةِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لَا حُرُوفَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28981قَوْلَهُ ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) وَحْدَهُ لَيْسَ آيَةً ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه ) وَحْدَهُ آيَةٌ . وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) لَا يُشَاكِلُ مَقَاطِعَ الْآيِ الَّتِي بَعْدَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه ) فَإِنَّهُ يُشَاكِلُ مَقَاطِعَ الْآيِ الَّتِي بَعْدَهُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْكَلَامُ الْمُسْتَقْصَى فِي تَفْسِيرِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَلِمَاتِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِلَّا أَنَّا نَذْكُرُ هَاهُنَا أَيْضًا بَعْضَ مَا قِيلَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) مَعْنَاهُ أَنَا اللَّهُ أَرَى . وَقِيلَ : أَنَا الرَّبُّ لَا رَبَّ غَيْرِي . وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) وَ ( حم ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=1ن ) اسْمُ الرَّحْمَنِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28981_28867_29568تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) فِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْآيَاتِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
[ ص: 4 ] يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا تَقَدَّمَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ ، وَأَيْضًا فَالْكِتَابُ الْحَكِيمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الْقُرْآنُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ غَيْرَ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْمَخْزُونُ الْمَكْنُونُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، الَّذِي مِنْهُ نُسِخَ كُلُّ كِتَابٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=77إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=78فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) [ الْوَاقِعَةِ : 77 ، 78 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=21بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ nindex.php?page=tafseer&surano=85&ayano=22فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) [ الْبُرُوجِ : 21 ، 22 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=4وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) [ الزُّخْرُفِ : 4 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=39يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) [ الرَّعْدِ : 39 ] .
وَإِذَا عَرَفْتَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ تَحْصُلُ هَاهُنَا حِينَئِذٍ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ :
الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ مِنْ لَفْظَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ ) الْإِشَارَةُ إِلَى الْآيَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، فَكَانَ التَّقْدِيرُ : تِلْكَ الْآيَاتُ هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاءُ وَلَا يُغَيِّرُهُ كُرُورُ الدَّهْرِ ، فَالتَّقْدِيرُ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ الْحَاصِلَةَ فِي سُورَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) هِيَ آيَاتُ ذَلِكَ الْكِتَابِ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يَمْحُوهُ الْمَاءُ .
الِاحْتِمَالُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ : الْمُرَادُ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ الْمَوْجُودَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ عِنْدَ اللَّهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ ) إِلَى آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ وَفِيهِ إِشْكَالٌ ، وَهُوَ أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ ) يُشَارُ بِهَا إِلَى الْغَائِبِ ، وَآيَاتُ هَذِهِ السُّورَةِ حَاضِرَةٌ ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِلَفْظِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ ) ؟ !
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ قَدْ سَبَقَ مَعَ جَوَابِهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ) [ الْبَقَرَةِ : 1 / 2 ] .
الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ : أَنْ يُقَالَ : لَفْظُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ ) إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُرَادُ بِهَا : هِيَ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا هِيَ آيَاتُ ذَلِكَ الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ الْمَخْزُونِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي الْآيَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ، وَالتَّقْدِيرُ : أَنَّ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْقَصَصَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مُوَافَقَةٌ لِلْقَصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، مَعَ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، فَحُصُولُ هَذِهِ الْمُوَافَقَةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا إِذَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى
مُحَمَّدًا بِإِنْزَالِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ . وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي مُسْلِمٍ : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر ) إِشَارَةٌ إِلَى حُرُوفِ التَّهَجِّي ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ) يَعْنِي : هَذِهِ الْحُرُوفُ هِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي جُعِلَتْ آيَاتٍ وَعَلَامَاتٍ لِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي بِهِ وَقَعَ التَّحَدِّي . فَلَوْلَا امْتِيَازُ هَذَا الْكِتَابِ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ بِالْوَصْفِ الْمُعْجِزِ ، وَإِلَّا لَكَانَ اخْتِصَاصُهُ بِهَذَا النَّظْمِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّلَفُّظِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ مُحَالًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29568وَصْفِ الْكِتَابِ بِكَوْنِهِ حَكِيمًا وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْحَكِيمَ هُوَ ذُو الْحِكْمَةِ بِمَعْنَى اشْتِمَالِ الْكِتَابِ عَلَى الْحِكْمَةِ .
الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَصْفَ الْكَلَامِ بِصِفَةِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ . قَالَ
الْأَعْشَى :
وَغَرِيبَةٌ تَأْتِي الْمُلُوكَ حَكِيمَةٌ قَدْ قُلْتُهَا لِيُقَالَ مَنْ ذَا قَالَهَا
الثَّالِثُ : قَالَ الْأَكْثَرُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الْحَكِيمِ ) بِمَعْنَى الْحَاكِمِ ، فَعِيلُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ) [ الْبَقَرَةِ : 213 ] فَالْقُرْآنُ كَالْحَاكِمِ فِي الِاعْتِقَادَاتِ لِتَمَيُّزِ حَقِّهَا عَنْ بَاطِلِهَا ،
[ ص: 5 ] وَفِي الْأَفْعَالِ لِتَمَيُّزِ صَوَابِهَا عَنْ خَطَئِهَا ، وَكَالْحَاكِمِ عَلَى أَنَّ
مُحَمَّدًا صَادِقٌ فِي دَعْوَى النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ الْكُبْرَى لِرَسُولِنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْسَتْ إِلَّا الْقُرْآنَ . الرَّابِعُ : أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الْحَكِيمِ ) بِمَعْنَى الْمُحْكَمِ . وَالْإِحْكَامُ مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنَ الْفَسَادِ ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَمْحُوهُ الْمَاءُ وَلَا تَحْرِقُهُ النَّارُ وَلَا تُغَيِّرُهُ الدُّهُورُ . أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ بَرَاءَتُهُ عَنِ الْكَذِبِ وَالتَّنَاقُضِ . الْخَامِسُ : قَالَ
الْحَسَنُ : وَصَفَ الْكِتَابَ بِالْحَكِيمِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ فِيهِ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، وَحَكَمَ فِيهِ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَبِالنَّارِ لِمَنْ عَصَاهُ ، فَعَلَى هَذَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الْحَكِيمِ ) يَكُونُ مَعْنَاهُ الْمَحْكُومَ فِيهِ . السَّادِسُ : أَنَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1الْحَكِيمِ ) فِي أَصْلِ اللُّغَةِ : عِبَارَةٌ عَنِ الَّذِي يَفْعَلُ الْحِكْمَةَ وَالصَّوَابَ ، فَكَانَ وَصْفُ الْقُرْآنِ بِهِ مَجَازًا ، وَوَجْهُ الْمَجَازِ هُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالصَّوَابِ ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي صَارَ كَأَنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ فِي نَفْسِهِ .