المسألة الرابعة : قالت المعتزلة : واجب عقلا على الله تعالى . وقال أصحابنا : قبول التوبة واجب بحكم الوعد والتفضل والإحسان ، أما عقلا فلا . وحجة أصحابنا على عدم وجوب قبول التوبة وجوه : قبول التوبة
الأول : أن الوجوب لا يتقرر معناه إلا إذا كان بحيث لو لم يفعله الفاعل لاستحق الذم ، فلو وجب قبول التوبة على الله تعالى لكان بحيث لو لم يقبلها لصار مستحقا للذم ، وهذا محال ؛ لأن من كان كذلك فإنه يكون مستكملا بفعل القبول ، والمستكمل بالغير ناقص لذاته وذلك في حق الله تعالى محال .
الثاني : أن الذم إنما يمنع من الفعل إذا كان بحيث يتأذى عن سماع ذلك الذم وينفر عن طبعه ، ويظهر له بسببه نقصان حال ، أما من كان متعاليا عن الشهوة والنفرة والزيادة والنقصان لا يعقل تحقق الوجوب في حقه بهذا المعنى .
الثالث : أنه تعالى تمدح بقبول التوبة في هذه الآية ، ولو كان ذلك واجبا لما تمدح به ؛ لأن أداء الواجب لا يفيد المدح والثناء والتعظيم .
المسألة الخامسة :( عن ) في قوله تعالى :( عن عباده ) فيه وجهان :
الأول : أنه لا فرق بين قوله : [ ص: 148 ] ( عن عباده ) وبين قوله : من عباده يقال : أخذت هذا منك وأخذت هذا عنك .
والثاني : قال القاضي : لعل( عن ) أبلغ لأنه ينبئ عن القبول مع تسهيل سبيله إلى التوبة التي قبلت ، وأقول : إنه لم يبين كيفية دلالة لفظة( عن ) على هذا المعنى ، والذي أقوله إن كلمة ( عن ) وكلمة ( من ) متقاربتان ، إلا أن كلمة ( عن ) تفيد البعد ، فإذا قيل : جلس فلان عن يمين الأمير ، أفاد أنه جلس في ذلك الجانب لكن مع ضرب من البعد فقوله :( عن عباده ) يفيد أن ، ويحصل له انكسار العبد الذي طرده مولاه ، وبعده عن حضرة نفسه ، فلفظة( عن ) كالتنبيه على أنه لا بد من حصول هذا المعنى للتائب . التائب يجب أن يعتقد في نفسه أنه صار مبعدا عن قبول الله تعالى له بسبب ذلك الذنب