الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : هذه الآية تدل على كثير من أحكام الزكاة .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الأول

                                                                                                                                                                                                                                            أن قوله :( خذ من أموالهم ) يدل على أن القدر المأخوذ بعض تلك الأموال لا كلها إذ مقدار ذلك البعض غير مذكور ههنا بصريح اللفظ ، بل المذكور ههنا قوله :( صدقة ) ومعلوم أنه ليس المراد منه التنكير حتى يكفي أخذ أي جزء كان ، وإن كان في غاية القلة ، مثل الحبة الواحدة من الحنطة أو الجزء الحقير من الذهب ، فوجب أن يكون المراد منه صدقة معلومة الصفة والكيفية والكمية عندهم ، حتى يكون قوله :( خذ من أموالهم صدقة ) أمرا بأخذ تلك الصدقة المعلومة ، فحينئذ يزول الإجمال . ومعلوم أن تلك الصدقة ليست إلا الصدقات التي وصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كيفيتها ، والصدقة التي بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي أنه أمر [ ص: 142 ] بأن يؤخذ في خمس وعشرين بنت مخاض ، وفي ستة وثلاثين بنت لبون ، إلى غير ذلك من المراتب ، فكان قوله :( خذ من أموالهم صدقة ) أمرا بأن يأخذ تلك الأشياء المخصوصة والأعيان المخصوصة ، وظاهر الآية للوجوب ، فدل هذا النص على أن أخذها واجب ، وذلك يدل على أن القيمة لا تكون مجزأة على ما هو قول الشافعي - رحمه الله - .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الثاني

                                                                                                                                                                                                                                            أن قوله :( من أموالهم صدقة ) يقتضي أن يكون المال مالا لهم ، ومتى كان الأمر كذلك لم يكن الفقير شريكا للمالك في النصاب ، وحينئذ يلزم أن تكون الزكاة متعلقة بالذمة وأن لا يكون لها تعلق البتة بالنصاب .

                                                                                                                                                                                                                                            وإذا ثبت هذا فنقول : إنه إذا فرط في الزكاة حتى هلك النصاب ، فالذي هلك ما كان محلا للحق ، بل محل الحق باق كما كان ، فوجب أن يبقى ذلك الوجوب بعد هلاك النصاب كما كان ، وهذا قول الشافعي - رحمه الله - .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الثالث

                                                                                                                                                                                                                                            ظاهر هذا العموم يوجب الزكاة في مال المديون ، وفي مال الضمان ، وهو ظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                            الحكم الرابع

                                                                                                                                                                                                                                            ظاهر الآية يدل على أن الزكاة إنما وجبت طهرة عن الآثام ، فلا تجب إلا حيث تصير طهرة عن الآثام ، وكونها طهرة عن الآثام لا يتقرر إلا حيث يمكن حصول الآثام ، وذلك لا يعقل إلا في حق البالغ ، فوجب أن لا يثبت وجوب الزكاة إلا في حق البالغ كما هو قول أبي حنيفة - رحمه الله - ، إلا أن الشافعي - رحمه الله - يجيب ويقول : إن الآية تدل على أخذ الصدقة من أموالهم ، وأخذ الصدقة من أموالهم يستلزم كونها طهرة ، فلم قلتم إن أخذ الزكاة من أموال الصبي والمجنون طهرة ; لأنه لا يلزم من انتفاء سبب معين انتفاء الحكم مطلقا ؟

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية