ثم قال تعالى :( خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ) وفيه بحثان :
البحث الأول : في هذا العمل الصالح وجوه :
الأول : العمل الصالح هو الاعتراف بالذنب والندامة عليه والتوبة منه ، والسيء هو التخلف عن الغزو .
والثاني : العمل الصالح خروجهم مع الرسول إلى سائر الغزوات ، والسيء هو تخلفهم عن غزوة تبوك .
والثالث : أن هذه الآية نزلت في حق المسلمين كان العمل الصالح إقدامهم على أعمال البر التي صدرت عنهم .
البحث الثاني : لقائل أن يقول : قد جعل كل واحد من العمل الصالح والسيء مخلوطا . فما المخلوط به ؟ وجوابه أن الخلط عبارة عن الجمع المطلق ، وأما قولك خلطته ، فإنما يحسن في الموضع الذي يمتزج كل واحد منهما بالآخر ، ويتغير كل واحد منهما بسبب تلك المخالطة عن صفته الأصلية كقولك خلطت الماء باللبن . واللائق بهذا الموضع هو الجمع المطلق ؛ لأن العمل الصالح والعمل السيء إذا حصلا بقي كل [ ص: 140 ] واحد منهما كما كان على مذهبنا ، فإن عندنا القول بالإحباط باطل ، ، فقوله تعالى :( والطاعة تبقى موجبة للمدح والثواب ، والمعصية تبقى موجبة للذم والعقاب خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ) فيه تنبيه على نفي ، وأنه بقي كل واحد منهما كما كان من غير أن يتأثر أحدهما بالآخر ، ومما يعين هذه الآية على نفي القول بالمحابطة أنه تعالى وصف العمل الصالح والعمل السيء بالمخالطة . والمختلطان لا بد وأن يكونا باقيين حال اختلاطهما ؛ لأن الاختلاط صفة للمختلطين ، وحصول الصفة حال عدم الموصوف محال ، فدل على بقاء العملين حال الاختلاط . القول بالمحابطة