( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .
قوله تعالى :( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال رضي الله عنهما : ابن عباس إن عند نزول الآية الأولى في . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأستغفر لكم . واشتغل بالاستغفار لهم ، فنزلت هذه الآية ، فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستغفار المنافقين ، قالوا : يا رسول الله ، استغفر لنا . وقال الحسن : كانوا يأتون رسول الله ، فيعتذرون إليه ويقولون : إن أردنا إلا الحسنى وما أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ، فنزلت هذه الآية . وروى الأصم أنه كان عبد الله بن أبي ابن سلول إذا خطب [ ص: 117 ] الرسول قام وقال : هذا رسول الله أكرمه الله وأعزه ونصره ، فلما قام ذلك المقام بعد أحد قال له عمر : اجلس يا عدو الله ، فقد ظهر كفرك . وجبهه الناس من كل جهة ، فخرج من المسجد ولم يصل ، فلقيه رجل من قومه ، فقال له : ما صرفك ؟ فحكى القصة . فقال : ارجع إلى رسول الله يستغفر لك . فقال : ما أبالي أستغفر لي أو لم يستغفر لي . فنزل :( وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ) [ المنافقون : 5 ] . وجاء المنافقون بعد أحد يعتذرون ويتعللون بالباطل أن يستغفر لهم .
المسألة الثانية :( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) . روى قال : الشعبي دعا عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة أبيه ، فقال له عليه السلام : من أنت ؟ فقال : أنا الحباب بن عبد الله . قال : بل أنت عبد الله بن عبد الله ، إن الحباب هو الشيطان ، ثم قرأ هذه الآية . قال القاضي : ظاهر قوله :( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ) كالدلالة على طلب القوم منه الاستغفار ، وقد حكيت ما روي فيه من الأخبار ، والأقرب في تعلق هذه الآية بما قبلها ما ذكره رضي الله عنهما : أن الذين كانوا يلمزون هم الذين طلبوا الاستغفار ، فنزلت هذه الآية . ابن عباس
المسألة الثالثة : من الناس من قال : إن التخصيص بالعدد المعين يدل على أن الحال فيما وراء ذلك العدد بخلافه ، وهو مذهب القائلين بدليل الخطاب . قالوا : والدليل عليه أنه لما نزل قوله تعالى :( إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) قال عليه السلام : " والله لأزيدن على السبعين " ولم ينصرف عنه حتى نزل قوله تعالى :( سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ) [ المنافقون : 6 ] . الآية ، فكف عنهم .
ولقائل أن يقول : هذا الاستدلال بالعكس أولى ؛ لأنه تعالى لما بين للرسول عليه السلام أنه لا يغفر لهم البتة ، ثبت أن الحال فيما وراء العدد المذكور مساو للحال في العدد المذكور ، وذلك يدل على أن التقييد بالعدد لا يوجب أن يكون الحكم فيما وراءه بخلافه .
المسألة الرابعة : من الناس من قال : إن الرسول عليه السلام اشتغل بالاستغفار للقوم ، فمنعه الله منه ، ومنهم من قال : إن المنافقين طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يستغفر لهم ، فالله تعالى نهاه عنه ، والنهي عن الشيء لا يدل على كون المنهي مقدما على ذلك الفعل ، وإنما قلنا : إنه عليه السلام ما اشتغل بالاستغفار لهم لوجوه :
الأول : أن المنافق كافر ، وقد ظهر في شرعه عليه السلام أن لا يجوز ؛ ولهذا السبب أمر الله رسوله بالاقتداء الاستغفار للكافر بإبراهيم عليه السلام إلا في قوله لأبيه :( لأستغفرن لك ) [ الممتحنة : 4 ] . وإذا كان هذا مشهورا في الشرع فكيف يجوز الإقدام عليه ؟ .
الثاني : أن . استغفار الغير للغير لا ينفعه إذا كان ذلك الغير مصرا على القبح والمعصية
الثالث : أن إقدامه على الاستغفار للمنافقين يجري مجرى إغرائهم بالإقدام على الذنب .
الرابع : أنه تعالى إذا كان لا يجيبه إليه بقي دعاء الرسول عليه السلام مردودا عند الله ، وذلك يوجب نقصان منصبه .
الخامس : أن هذا الدعاء لو كان مقبولا من الرسول لكان قليله مثل كثيره في حصول الإجابة . فثبت أن المقصود من هذا الكلام أن القوم لما طلبوا منه أن يستغفر لهم منعه الله منه ، وليس المقصود من ذكر هذا العدد تحديد المنع ، بل هو كما يقول القائل لمن سأله الحاجة : لو سألتني سبعين مرة لم أقضها لك ، ولا يريد بذلك أنه إذا زاد قضاها فكذا ههنا ، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى في الآية :( ذلك بأنهم كفروا بالله ) . فبين أن العلة التي لأجلها لا ينفعهم استغفار الرسول وإن بلغ سبعين مرة ، [ ص: 118 ] كفرهم وفسقهم ، وهذا المعنى قائم في الزيادة على السبعين ، فصار هذا التعليل شاهدا بأن المراد إزالة الطمع في أن ينفعهم استغفار الرسول عليه السلام مع إصرارهم على الكفر ، ويؤكده أيضا قوله تعالى :( والله لا يهدي القوم الفاسقين ) والمعنى : أن . فثبت أن الحق ما ذكرناه . فسقهم مانع من الهداية
المسألة الخامسة : قال المتأخرون من أهل التفسير : السبعون عند العرب غاية مستقصاة ؛ لأنه عبارة عن جمع السبعة عشر مرات ، والسبعة عدد شريف ؛ لأن عدد السماوات والأرض والبحار والأقاليم والنجوم والأعضاء ، هو هذا العدد . وقال بعضهم : هذا العدد إنما خص بالذكر ههنا ؛ لأنه روي حمزة سبعين تكبيرة ، فكأنه قيل :( أن النبي عليه السلام كبر على إن تستغفر لهم سبعين مرة ) بإزاء صلاتك على حمزة ، وقيل : الأصل فيه قوله :( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) [ البقرة : 261 ] . وقال عليه السلام : " " . فلما ذكر الله تعالى هذا العدد في معرض التضعيف لرسوله صار أصلا فيه . الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة