( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )
قوله تعالى : [ ص: 51 ] ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم )
واعلم أن هذا ذكر طريق آخر في ترغيبهم في الجهاد ، وذلك لأنه تعالى ذكر في الآية الأولى أنهم إن لم ينفروا باستنفاره ، ولم يشتغلوا بنصرته فإن الله ينصره بدليل أن الله نصره وقواه حال ما لم يكن معه إلا رجل واحد ، فههنا أولى ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : لقائل أن يقول : كيف يكون قوله :( فقد نصره الله ) جوابا للشرط ؟
وجوابه أن التقدير ، ولا أقل من الواحد ، والمعنى أنه ينصره الآن كما نصره في ذلك الوقت . إلا تنصروه ، فسينصره من نصره حينما لم يكن معه إلا رجل واحد
المسألة الثانية : قوله :( إذ أخرجه الذين كفروا ) يعني : قد نصره الله في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا من مكة ، وقوله :( ثاني اثنين ) نصب على الحال ، أي : في الحال التي كان فيها( ثاني اثنين ) وتفسير قوله :( ثاني اثنين ) سبق في قوله :( ثالث ثلاثة ) [المائدة : 73] وتحقيق القول أنه إذا حضر اثنان فكل واحد منهما يكون ثانيا في ذينك الاثنين للآخر ، فلهذا السبب قالوا : يقال فلان ثاني اثنين ، أي : هو أحدهما ، قال صاحب "الكشاف" : وقرئ ( ثاني اثنين ) بالسكون و( إذ هما ) بدل من قوله :( إذ أخرجه ) والغار ثقب عظيم في الجبل ، وكان ذلك الجبل يقال له ثور ، في يمين مكة على مسيرة ساعة ، أبي بكر ثلاثا ، وقوله :( مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه مع إذ يقول ) بدل ثان .
المسألة الثالثة : ذكروا أن قريشا ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) [الأنفال : 30] فأمره الله تعالى أن يخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار ، والمراد من قوله :( أخرجه الذين كفروا ) هو أنهم جعلوه كالمضطر إلى الخروج ، وأبو بكر أول الليل إلى الغار ، وأمر وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يضطجع على فراشه ، ليمنعهم السواد من طلبه ، حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله به ، فلما وصلا إلى الغار دخل أبو بكر الغار أولا ، يلتمس ما في الغار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما لك ؟ فقال : بأبي أنت وأمي ، الغيران مأوى السباع والهوام ، فإن كان فيه شيء كان بي لا بك ، وكان في الغار جحر ، فوضع عقبه عليه ؛ لئلا يخرج ما يؤذي الرسول ، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا ، بكى أبو بكر خوفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه السلام : "لا تحزن إن الله معنا" فقال أبو بكر : إن الله لمعنا ؟ فقال الرسول : "نعم " فجعل يمسح الدموع عن خده ، ويروى عن الحسن أنه كان إذا ذكر بكى ، وإذا ذكر مسحه الدموع مسح هو الدموع عن خده ، وقيل : لما طلع المشركون فوق الغار أشفق بكاء أبي بكر أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : إن تصب اليوم ذهب دين الله . فقال رسول الله : " " وقيل : لما دخل الغار وضع ما ظنك باثنين الله ثالثهما أبو بكر ثمامة على باب الغار ، وبعث الله حمامتين فباضتا في أسفله ، والعنكبوت نسجت عليه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أعم أبصارهم " فجعلوا يترددون حول الغار ، ولا يرون أحدا .