ثم قال تعالى : ( والصلح خير ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الصلح مفرد دخل فيه حرف التعريف ، والمفرد الذي دخل فيه حرف التعريف هل يفيد العموم أم لا ؟ والذي نصرناه في أصول الفقه أنه لا يفيده ، وذكرنا الدلائل الكثيرة فيه .
وأما إذا قلنا : إنه يفيد العموم فههنا بحث ، وهو أنه إذا حصل هناك معهود سابق فحمله على العموم أولى أم على المعهود السابق ؟ الأصح أن حمله على المعهود السابق أولى ؛ وذلك لأنا إنما حملناه على الاستغراق ضرورة أنا لو لم نقل ذلك لصار مجملا ويخرج عن الإفادة ، فإذا حصل هناك معهود سابق اندفع هذا المحذور فوجب حمله عليه .
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : والصلح خير ) على الاستغراق ، ومنهم من حمله على المعهود السابق ، يعني : الصلح بين الزوجين خير من الفرقة ، والأولون تمسكوا به في مسألة أن الصلح على الإنكار جائز كما هو قول من الناس من حمل قوله : ( ، وأما نحن فقد بينا أن حمل هذا اللفظ على المعهود السابق أولى ، فاندفع استدلالهم ، والله أعلم . أبي حنيفة
المسألة الثانية : قال صاحب "الكشاف" : هذه الجملة اعتراض ، وكذلك قوله : ( وأحضرت الأنفس الشح ) إلا أنه اعتراض مؤكد للمطلوب فحصل المقصود .
المسألة الثالثة : أنه تعالى ذكر أولا قوله : ( فلا جناح عليهما أن يصلحا ) ، فقوله : ( فلا جناح ) يوهم أنه رخصة ، والغاية فيه ارتفاع الإثم ، فبين تعالى أن هذا الصلح كما أنه لا جناح فيه ولا إثم فكذلك فيه خير عظيم ومنفعة كثيرة ، فإنهما ، أما إذا تصالحا على شيء فذاك خير من أن يتفرقا أو يقيما على النشوز والإعراض وأحضرت الأنفس الشح ) . قوله تعالى : (
فاعلم أن الشح هو البخل ، والمراد أن الشح جعل [ ص: 54 ] كالأمر المجاور للنفوس اللازم لها ، يعني : أن النفوس مطبوعة على الشح ، ثم يحتمل أن يكون المراد منه أن المرأة تشح ببذل نصيبها وحقها ، ويحتمل أن يكون المراد أن الزوج يشح بأن يقضي عمره معها مع دمامة وجهها وكبر سنها ، وعدم حصول اللذة بمجانستها .
ثم قال تعالى : ( وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) وفيه وجوه :
الأول : أنه خطاب مع الأزواج ، يعني : وإن تحسنوا بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وتيقنتم النشوز والإعراض ، وما يؤدي إلى الأذى والخصومة فإن الله كان بما تعملون من الإحسان والتقوى خبيرا ، وهو يثيبكم عليه .
الثاني : أنه خطاب للزوج والمرأة ، يعني : وإن يحسن كل واحد منكما إلى صاحبه ويحترز عن الظلم .
الثالث : أنه خطاب لغيرهما ، يعني : إن تحسنوا في المصالحة بينهما ، وتتقوا الميل إلى واحد منهما .
وحكى صاحب " الكشاف " : أن كان من أدم بني عمران بن حطان الخارجي آدم ، وامرأته من أجملهم ، فنظرت إليه يوما ، ثم قالت : الحمد لله ، فقال ما لك ؟ فقالت : حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة ؛ لأنك رزقت مثلي فشكرت ، ورزقت مثلك فصبرت ، وقد . وعد الله بالجنة عباده الشاكرين والصابرين