[ ص: 174 ] ( فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) .
قوله تعالى : ( أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ) .
اعلم أن هذا نوع آخر من أحوال المنافقين ذكره الله تعالى ، وههنا مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوها :
الأول : أنها نزلت في قوم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وآله مسلمين فأقاموا بالمدينة ما شاء الله ، ثم قالوا يا رسول الله : نريد أن نخرج إلى الصحراء فائذن لنا فيه ، فأذن لهم ، فلما خرجوا لم يزالوا يرحلون مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين فتكلم المؤمنون فيهم ، فقال بعضهم : لو كانوا مسلمين مثلنا لبقوا معنا وصبروا كما صبرنا ، وقال قوم : هم مسلمون ، وليس لنا أن ننسبهم إلى الكفر إلى أن يظهر أمرهم ، فبين الله تعالى نفاقهم في هذه الآية .
الثاني : نزلت الآية في قوم أظهروا الإسلام بمكة ، وكانوا يعينون المشركين على المسلمين . فاختلف المسلمون فيهم وتشاجروا ، فنزلت الآية . وهو قول ابن عباس وقتادة .
الثالث : نزلت الآية في الذين تخلفوا يوم أحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، فاختلف أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ، فمنهم فرقة يقولون : كفروا ، وآخرون قالوا : لم يكفروا ، فنزلت هذه الآية ، وهو قول ، ومنهم من طعن في هذا الوجه وقال : في نسق الآية ما يقدح فيه ، وإنهم من زيد بن ثابت أهل مكة ، وهو قوله تعالى : ( فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله ) .
الرابع : نزلت الآية في قوم ضلوا وأخذوا أموال المسلمين وانطلقوا بها إلى اليمامة فاختلف المسلمون فيهم ، فنزلت الآية : وهو قول عكرمة .
الخامس : هم العرنيون الذين أغاروا وقتلوا يسارا مولى الرسول صلى الله عليه وسلم .
السادس : قال ابن زيد : نزلت في أهل الإفك .
المسألة الثانية : في معنى الآية وجهان :
الأول : أن " فئتين " نصب على الحال : كقولك : ما لك قائما ، أي ما لك في حال القيام ، وهذا قول . سيبويه
الثاني : أنه نصب على خبر كان ، والتقدير : ما لكم صرتم في المنافقين فئتين ؟ وهو استفهام على سبيل الإنكار ، أي لم تختلفون في كفرهم مع أن دلائل كفرهم ونفاقهم ظاهرة جلية ، فليس لكم أن تختلفوا فيه بل يجب أن تقطعوا بكفرهم .
المسألة الثالثة : قال الحسن : إنما سماهم منافقين وإن أظهروا الكفر لأنهم وصفوا بالصفة التي كانوا عليها من قبل ، والمراد بقوله : ( فئتين ) ما بينا أن فرقة منهم كانت تميل إليهم وتذب عنهم وتواليهم ، وفرقة منهم تباينهم وتعاديهم ، فنهوا عن ذلك وأمروا بأن يكونوا على نهج واحد في التباين والتبري والتكفير ، والله أعلم .