المسألة الأولى : الركس : رد الشيء من آخره إلى أوله ، فالركس والنكس والمركوس والمنكوس واحد ، ومنه يقال للروث الركس لأنه رد إلى حالة خسيسة ، وهي حالة النجاسة ، ويسمى رجيعا لهذا المعنى [ ص: 175 ] أيضا ، وفيه لغتان : ركسهم وأركسهم فارتكسوا ، أي ارتدوا . وقال أمية .
فأركسوا في حميم النار إنهم كانوا عصاة وقالوا الإفك والزورا
المسألة الثانية : معنى الآية أنه ردهم إلى أحكام الكفار من الذل والصغار والسبي والقتل بما كسبوا ، أي بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النفاق ، وذلك أن المنافق ما دام يكون متمسكا في الظاهر بالشهادتين لم يكن لنا سبيل إلى قتله ، فإذا أظهر الكفر فحينئذ يجري الله تعالى عليه أحكام الكفار .
المسألة الثالثة : قرأ أبي بن كعب ( وعبد الله بن مسعود والله أركسهم ) وقد ذكرنا أن أركس وركس لغتان .
ثم قال تعالى : ( أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) قالت المعتزلة المراد من قوله : ( أضل الله ) ليس أنه هو خلق الضلال فيه للوجوه المشهورة ، ولأنه تعالى قال قبل هذه الآية : ( والله أركسهم بما كسبوا ) فبين تعالى أنه إنما ردهم وطردهم بسبب كسبهم وفعلهم ، وذلك ينفي القول بأن إضلالهم حصل بخلق الله وعند هذا حملوا قوله : ( من أضل الله ) على وجوه :
الأول : المراد منه أن الله تعالى حكم بضلالهم وكفرهم كما يقال فلان يكفر فلانا ويضله : بمعنى أنه حكم به وأخبر عنه .
الثاني : أن المعنى أتريدون أن تهدوا إلى الجنة من أضله الله عن طريق الجنة ، وذلك لأنه تعالى . يضل الكفار يوم القيامة عن الاهتداء إلى طريق الجنة
الثالث : أن يكون هذا الإضلال مفسرا بمنع الألطاف :
واعلم أنا قد ذكرنا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب ضعف هذه الوجوه ، ثم نقول : هب أنها صحيحة ، ولكنه تعالى لما أخبر عن كفرهم وضلالهم ، وأنهم لا يدخلون الجنة فقد توجه الإشكال لأن ، والمفضي إلى المحال محال ، ومما يدل على أن المراد من الآية أن الله تعالى أضلهم عن الدين قوله : ( انقلاب علم الله تعالى جهلا محال ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) فالمؤمنون في الدنيا إنما كانوا يريدون من المنافقين الإيمان ويحتالون في إدخالهم فيه .
ثم قال تعالى : ( ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) فوجب أن يكون معناه أنه تعالى لما أضلهم عن الإيمان امتنع أن يجد المخلوق سبيلا إلى إدخاله في الإيمان ، وهذا ظاهر .