الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما شرطه وواجباته فشرطه النية ، وهو أصل النية دون التعيين حتى لو لم ينو أصلا بأن طاف هاربا من سبع أو طالبا لغريم لم يجز .

                                                                                                                                فرق أصحابنا بين الطواف ، وبين الوقوف : أن الوقوف يصح من غير نية الوقوف عند الوقوف ، والطواف لا يصح من غير نية الطواف عند الطواف كذا ذكره القدوري في شرحه مختصر الكرخي ، وأشار القاضي في شرحه مختصر الطحاوي إلى أن نية الطواف عند الطواف ليست بشرط أصلا ، وأن نية الحج عند الإحرام كافية ، ولا يحتاج إلى نية مفردة كما في سائر أفعال الحج ، وكما في أفعال الصلاة .

                                                                                                                                ووجه الفرق على ما ذكره القدوري أن الوقوف ركن يقع في حال قيام نفس الإحرام لانعدام ما يضاده فلا يحتاج إلى نية مفردة بل تكفيه النية السابقة ، وهي نية الحج كالركوع ، والسجود في باب الصلاة ; لأنه لا يحتاج إلى إفرادهما بالنية لاشتمال نية الصلاة عليهما كذا الوقوف ، فأما الطواف فلا يؤتى به في حال قيام نفس الإحرام لوجود ما يضاده ; لأنه تحليل ; لأنه يقع به التحليل ، ولا إحرام حال وجود التحليل ; لأن الشيء حال وجوده موجود ، ووجوده يمنع الإحرام من الوجود فلا تشتمل عليه نية الحج فتقع الحاجة إلى الإفراد بالنية كالتسليم في باب الصلاة إذ التسليم تحليل أو نقول إن الوقوف يوجد في حال قيام الإحرام المطلق لبقائه في حق جميع الأحكام فيتناوله نية الحج فلا يحتاج إلى نية على حدة ، ولا كذلك الطواف .

                                                                                                                                فإنه يوجد حال زوال الإحرام من وجه لوقوع التحلل قبله من وجه بالحلق أو التقصير .

                                                                                                                                ألا ترى أنه يحل له كل شيء إلا النساء فوقعت الحاجة إلى نية على حدة فأما تعيين النية حال وجوده في وقته فلا حاجة إليه حتى لو نفر في النفر الأول فطاف ، وهو لا يعين طوافا يقع عن طواف الزيارة لا عن الصدر ; لأن أيام النحر متعينة لطواف الزيارة [ ص: 129 ] فلا حاجة إلى تعيين النية كما لو صام رمضان بمطلق لنية أنه يقع عن رمضان لكون الوقت متعينا لصومه كذا هذا .

                                                                                                                                وكذا لو نوى تطوعا يقع عن طواف الزيارة كما لو صام رمضان بنية التطوع ، وكذلك كل طواف واجب ، أو سنة يقع في وقته من طواف اللقاء ، وطواف الصدر ، فإنما يقع عما يستحقه الوقت ، وهو الذي انعقد عليه الإحرام دون غيره سواء عين ذلك بالنية ، أو لم يعين فيقع عن الأول ، وإن نوى الثاني لا يعمل بنيته في تقديمه على الأول حتى إن المحرم إذا قدم مكة ، وطاف لا يعين شيئا ، أو نوى التطوع ، فإن كان محرما بعمرة يقع طوافه للعمرة ، وإن كان محرما بحجة يقع طوافه للقدوم ; لأن عقد الإحرام انعقد عليه ، وكذلك القارن إذا طاف لا يعين شيئا ، أو نوى التطوع كان ذلك للعمرة ، فإن طاف طوافا آخر قبل أن يسعى لا يعين شيئا ، أو نوى تطوعا كان ذلك للحج ، والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية