في حق النائي عن ومنها ملك الزاد ، والراحلة مكة ، والكلام فيه في موضعين : أحدهما في بيان أنه من شرائط الوجوب ، والثاني في تفسير الزاد ، والراحلة أما الأول ، فقد قال عامة العلماء : إنه شرط فلا يجب الحج بإباحة الزاد ، والراحلة سواء كانت الإباحة ممن له منة على المباح له ، أو كانت ممن لا منة له عليه كالأب ، وقال يجب الحج بإباحة الزاد ، والراحلة إذا كانت الإباحة ممن لا منة له على المباح له ، كالوالد بذل الزاد ، والراحلة لابنه ، وله في الأجنبي قولان ، الشافعي لا يجب على الموهوب له القبول عندنا ، ولو ، وهبه إنسان مالا يحج به فيه قولان ، وقال وللشافعي : الراحلة ليست بشرط لوجوب الحج أصلا لا ملكا ولا إباحة ، وملك الزاد شرط حتى لو كان صحيح البدن ، وهو يقدر على المشي يجب عليه الحج ، وإن لم يكن له راحلة ، أما الكلام مع مالك فهو احتج بظاهر قوله تعالى : { مالك ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ، ، فقد استطاع إليه سبيلا فيلزمه فرض الحج . ومن كان صحيح البدن قادرا على المشي ، وله زاد
( ولنا ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة : بالزاد ، والراحلة جميعا فلا تثبت الاستطاعة بأحدهما ، وبه تبين أن القدرة على المشي لا تكفي لاستطاعة الحج ثم شرط الراحلة إنما يراعى لوجوب الحج في حق من نأى عن مكة فأما أهل مكة ، ومن حولهم فإن الحج يجب على القوي منهم القادر على المشي من غير راحلة ; لأنه لا حرج يلحقه في المشي إلى الحج كما لا يلحقه الحرج في المشي إلى الجمعة .
وأما الكلام مع فوجه قوله : أن الاستطاعة المذكورة هي القدرة من حيث سلامة الأسباب ، والآلات ، والقدرة تثبت بالإباحة فلا معنى لاشتراط الملك إذ الملك لا يشترط لعينه بل للقدرة على استعمال الزاد ، والراحلة أكلا ، وركوبا ، ولذا ثبتت بالإباحة ، ولهذا استوى الملك ، والإباحة في ( باب الطهارة ) في المنع من جواز التيمم كذا ههنا . الشافعي
( ولنا ) أن استطاعة الأسباب ، والآلات لا تثبت بالإباحة ; لأن الإباحة لا تكون لازمة .
ألا ترى : أن للمبيح أن يمنع المباح له عن التصرف في المباح ، ومع قيام ولاية المنع لا تثبت القدرة المطلقة فلا يكون مستطيعا على الإطلاق فلم يوجد شرط الوجوب فلا يجب بخلاف مسألة الطهارة ; لأن شرط جواز التيمم عدم الماء بقوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } ، والعدم لا يثبت مع البذل ، والإباحة .
وأما تفسير الزاد ، والراحلة فهو أن يملك من المال مقدار ما يبلغه إلى مكة ذاهبا ، وجائيا راكبا لا ماشيا بنفقة وسط لا إسراف فيها ، ولا تقتير فاضلا عن مسكنه ، وخادمه ، وفرسه ، وسلاحه ، وثيابه ، وأثاثه ، ونفقة عياله ، وخدمه ، وكسوتهم ، وقضاء ديونه .
وروي عن أنه قال : ونفقة شهر بعد انصرافه أيضا ، وروى أبي يوسف الحسن عن أنه فسر الراحلة فقال : إذا كان عنده ما يفضل عما ذكرنا ما يكتري به شق محمل ، أو زاملة ، أو رأس راحلة ، وينفق ذاهبا ، وجائيا ، فعليه الحج ، وإن لم يكفه ذلك إلا أن يمشي أو يكتري عقبة ، فليس عليه الحج ماشيا ، ولا راكبا عقبة ، وإنما اعتبرنا الفضل على ما ذكرنا من الحوائج ; لأنها من الحوائج اللازمة التي لا بد منها فكان المستحق بها ملحقا بالعدم ، وما ذكره بعض أصحابنا في تقدير نفقة العيال سنة ، والبعض شهرا ، فليس بتقدير لازم بل هو على حسب اختلاف المسافة في القرب ، والبعد ; لأن قدر النفقة يختلف باختلاف المسافة فيعتبر في ذلك قدر ما يذهب ، ويعود إلى منزله ، وإنما لا يجب [ ص: 123 ] عليه الحج إذا لم يكف ماله إلا للعقبة ; لأن المفروض هو الحج راكبا لا ماشيا ، والراكب عقبة لا يركب في كل الطريق بل يركب في البعض ، ويمشي في البعض ، وذكر أبي حنيفة أنه ابن شجاع ، وحرم عليه أخذ الزكاة إذا بلغ نصابا ; لأنه إذا كان كذلك كان فاضلا عن حاجته كسائر الأموال ، وكان مستطيعا فيلزمه فرض الحج فإن أمكنه بيع منزله ، وأن يشتري بثمنه منزلا دونه ، ويحج بالفضل فهو أفضل لكن لا يجب عليه ; لأنه محتاج إلى سكناه فلا يعتبر في الحاجة قدر ما لا بد منه كما لا يجب عليه بيع المنزل ، والاقتصار على السكنى ، وذكر إذا كانت له دار لا يسكنها ، ولا يؤاجرها ، ومتاع لا يمتهنه ، وعبد لا يستخدمه ، وجب عليه أن يبيعه ، ويحج به الكرخي أن قال إذا لم يكن له مسكن ، ولا خادم ، ولا قوت عياله ، وعنده دراهم تبلغه إلى الحج لا ينبغي أن يجعل ذلك في غير الحج فإن فعل أثم ; لأنه مستطيع لملك الدراهم فلا يعذر في الترك ، ولا يتضرر بترك شراء المسكن ، والخادم بخلاف بيع المسكن ، والخادم ، فإنه يتضرر ببيعهما ، وقوله : " ولا قوت عياله " مؤول وتأويله : ولا قوت عياله ما يزيد على مقدار الذهاب ، والرجوع . أبا يوسف
فأما المقدار المحتاج إليه من وقت الذهاب إلى وقت الرجوع فذلك مقدم على الحج لما بينا .