وأما بيان فمنها القدرة على القضاء حتى لو شرائط وجوبه لقي الله ولا قضاء عليه ، لأنه مات قبل وجوب القضاء عليه ، لكنه إن أوصى بأن يطعم عنه صحت وصيته وإن لم يجب عليه ، ويطعم عنه من ثلث ماله لأن صحة الوصية لا تتوقف على الوجوب كما لو أوصى بثلث ماله للفقراء أنه يصح ، وإن لم يجب عليه شيء كذا هذا فاته صوم رمضان بعذر المرض أو السفر ولم يزل مريضا أو مسافرا حتى مات يلزمه قضاء جميع ما أدرك ، لأنه قدر على القضاء لزوال العذر ، فإن لم يصم حتى أدركه الموت فعليه أن يوصي بالفدية وهي أن يطعم عنه لكل يوم مسكينا لأن القضاء قد وجب عليه ثم عجز عنه بعد وجوبه بتقصير منه فيتحول الوجوب إلى بدله وهو الفدية . فإن برئ المريض أو قدم المسافر وأدرك من الوقت بقدر ما فاته
والأصل فيه ما روى أبو مالك الأشجعي { أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل أدركه رمضان وهو شديد المرض لا يطيق الصوم فمات هل يقضى عنه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مات قبل أن يطيق الصيام فلا يقضى عنه ، وإن مات وهو مريض وقد أطاق الصيام في مرضه ذلك فليقض عنه } .
والمراد منه القضاء بالفدية لا بالصوم لما روي عن رضي الله تعالى عنه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { ابن عمر } ولأن ما لا يحتمل النيابة حالة الحياة لا يحتمل بعد الموت كالصلاة . : لا يصومن أحد عن أحد ولا يصلين أحد عن أحد
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا أنه قال { } وهو محمول على ما إذا أوصى أو على الندب إلى غير ذلك وإذا أوصى بذلك يعتبر من الثلث وإن لم يوص فتبرع به الورثة جاز وإن لم يتبرعوا لم يلزمهم ، وتسقط في حق أحكام الدنيا عندنا . : من مات وعليه قضاء رمضان أطعم عنه وليه
وعند يلزمهم من جميع المال سواء أوصى به أو لم يوص . الشافعي
والاختلاف فيه كالاختلاف في الزكاة ، والصحيح قولنا لأن الصوم عبادة والفدية بدل عنها ، والأصل لا يتأدى بطريق النيابة فكذا البدل والبدل لا يخالف الأصل والأصل فيه أنه لا يجوز أداء العبادة عن غيره بغير أمره ، لأنه يكون جبرا والجبر ينافي معنى العبادة على ما بينا في كتاب الزكاة هذا إذا أدرك من الوقت بقدر ما فاته فمات قبل أن يقضي ، فأما إذا أدرك بقدر ما يقضي فيه البعض دون البعض بأن صح المريض أياما ثم مات ذكر في الأصل أنه يلزمه القضاء بقدر ما صح ، ولم يذكر الخلاف حتى لو مات [ ص: 104 ] لا يجب عليه أن يوصي بالإطعام لجميع الشهر بل لذلك القدر الذي لم يصمه وإن صامه فلا وصية عليه رأسا .
وذكر هذه المسألة على الاختلاف فقال في قول الطحاوي : يلزمه قضاء الجميع إذا صح يوما واحدا حتى يلزمه الوصية بالإطعام لجميع الشهر إن لم يصم ذلك اليوم ، وإن صامه لم يلزمه شيء بالإجماع ، وعند أبي حنيفة يلزمه بقدر ما أدرك وما ذكر محمد في شرحه مختصر القدوري أن ما ذكره الكرخي في الأصل قول جميع أصحابنا ، وما أثبته محمد من الاختلاف في المسألة غلط ، وإنما ذلك في مسألة النذر ، وهي الطحاوي . أن المريض إذا قال : لله علي أن أصوم شهرا
فإن مات قبل أن يصح لا يلزمه شيء ، وإن صح يوما واحدا يلزمه أن يوصي بالإطعام لجميع الشهر في قول أبي حنيفة ، وعند وأبي يوسف لا يلزمه إلا مقدار ما يصح على ما ذكره محمد . القدوري
وإن كان مسألة القضاء على الاتفاق على ما ذكره فوجه هذا القول ظاهر لأن القدرة على الفعل شرط وجوب الفعل إذ لو لم يكن لكان الإيجاب تكليف ما لا يحتمله الوسع ، وأنه محال عقلا وموضوع شرعا ولم يقدر إلا على صوم بعض الأيام فلا يلزمه إلا ذلك القدر ، فإن صام ذلك القدر فقد أتى بما عليه فلا يلزمه شيء آخر ، وإن لم يصم فقد قصر فيما وجب عليه فيلزمه أن يوصي بالفدية لذلك القدر لا غير إذ لم يجب عليه من الصوم إلا ذلك القدر ، وإن كانت المسألتان على الاختلاف على ما ذكره القدوري فوجه قول الطحاوي في المسألتين ما ذكرنا وهو لا يحتاج إلى الفرق بينهما ، لأن قوله فيهما واحد وهو أنه لا يلزمه من صوم القضاء والصوم المنذور به إلا قدر أيام الصحة حتى لا يلزمه الوصية بالإطعام فيهما إلا لذلك القدر . محمد
وأما وجه قولهما فهو أن قدر ما يقدر عليه من الصوم يصلح له الأيام كلها على طريق البدل ، لأن كل يوم صالح للصوم فيجعل كأنه قدر على الكل فإذا لم يصم لزمته الوصية بالفدية للكل ، وإذا صام فيما قدر وصار قدر ما صام مستحقا للوقت فلم يبق صالحا لوقت آخر فلم يكن القول بوجوب الكل على البدل فلا يلزمه الوصية بالفدية للكل ، ومنها أن لا يكون في القضاء حرج لأن الحرج منفي بنص الكتاب .
وأما وجوب الأداء في الوقت فهل هو شرط وجوب القضاء خارج الوقت ؟ فقد ذكرنا اختلاف المشايخ في ذلك وخرجنا ما يتصل به من المسائل على القولين ما فيه اتفاق ، وما فيه اختلاف .