الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان من تجب عليه فيتضمن بيان شرائط الوجوب وإنها أنواع : منها الإسلام فلا تجب على الكافر ; لأنه لا سبيل إلى الإيجاب في حالة الكفر ; لأن فيها معنى العبادة حتى لا تتأدى بدون النية ، والكافر ليس من أهل العبادة ولا تجب بدون الإسلام بالإجماع ، وإيجاب فعل لا يقدر المكلف على أدائه في الحال ، وفي الثاني تكليف ما ليس في الوسع لهذا قلنا : إن الكفار ليسوا مخاطبين بشرائع هي عبادات .

                                                                                                                                ومنها الحرية عندنا فلا تجب على العبد وقال الشافعي الحرية ليست من شرائط الوجوب وتجب الفطرة على العبد ويتحملها المولى عنه واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : أدوا عن كل حر وعبد } ، والأداء عنه ينبئ عن التحمل عنه وأنه يقتضي الوجوب عليه .

                                                                                                                                ولنا أن الوجوب هو وجوب الأداء ولا سبيل إلى إيجاب الأداء على العبد ; لأن العبد لا يكلف بأدائها في الحال ولا بعد العتق ، وإيجاب فعل لا سبيل إلى أدائه رأسا ممتنع بخلاف الصبي الغني إذا لم يخرج وليه على أصل أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يلزمه الأداء ; لأنه يقدر على أدائه بعد البلوغ .

                                                                                                                                وأما الحديث فلم قلتم إن الأداء عنه يقتضي الوجوب عليه ؟ وسنذكر معناه .

                                                                                                                                ومنها الغنى فلا يجب الأداء إلا على الغني وهذا عندنا ، وقال الشافعي : لا يشترط لوجوبها الغنى وتجب على الفقير الذي له زيادة على قوت يومه وقوت عياله .

                                                                                                                                وجه قوله أن وجوبها ثبت مطهرة للصائم ومعنى المطهرة لا يختلف بالغنى ، والفقر ، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا صدقة إلا عن ظهر غنى } .

                                                                                                                                وقد بينا حد الغنى الذي يجب به صدقة الفطر في زكاة المال ، ثم الغنى شرط الوجوب لا شرط بقاء الواجب حتى لو افتقر بعد يوم الفطر لا يسقط الواجب ; لأن هذا الحق يجب في الذمة لا في المال فلا يشترط لبقائه بقاء المال بخلاف الزكاة وأما العقل ، والبلوغ فليسا من شرائط الوجوب في قول أبي حنيفة وأبي يوسف حتى تجب صدقة الفطر على الصبي ، والمجنون إذا كان [ ص: 70 ] لهما مال ويخرجها الولي من مالهما وقال محمد وزفر : لا فطرة عليهما حتى لو أدى الأب أو الوصي من مالهما لا يضمنان عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد وزفر يضمنان .

                                                                                                                                وجه قولهما إنها عبادة ، والعبادات لا تجب على الصبيان ، والمجانين كالصوم ، والصلاة ، والزكاة ولأبي حنيفة وأبي يوسف أنها ليست بعبادة محضة بل فيها معنى المؤنة فأشبهت العشر ، وكذلك وجود الصوم في شهر رمضان ليس بشرط لوجوب الفطرة حتى أن من أفطر لكبر ، أو مرض ، أو سفر يلزمه صدقة الفطر ; لأن الأمر بأدائها مطلق عن هذا الشرط ولأنها تجب على من لا يوجد منه الصوم وهو الصغير .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية