الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما السوائم من الإبل والبقر والغنم أما نصاب الإبل فليس فيما دون خمس من الإبل زكاة ، وفي الخمس شاة ، وفي العشر شاتان ، وفي خمسة عشر ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض ، وفي ست وثلاثين بنت لبون ، وفي ست وأربعين حقة ، وفي إحدى وستين جذعة ، وهي أقصى سن لها مدخل في الزكاة .

                                                                                                                                والأصل فيه ما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكتبه أبو بكر لأنس وكان فيه وفي أربع وعشرين فما دونها الغنم في كل خمس ذود شاة فإذا كانت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإذا كانت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون ، فإذا كانت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة ، فإذا كانت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا كانت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون ، فإذا كانت إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ففيها حقتان } .

                                                                                                                                ولا خلاف في هذه الجملة إلا ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " في خمس وعشرين خمس شياه ، وفي ست وعشرين بنت مخاض " وهذه الرواية لا تكاد تثبت عن علي رضي الله عنه ; لأنها مخالفة للأحاديث المشهورة منها ما روينا من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، ومنها كتابه الذي كتبه لعمرو بن حزم وغير ذلك من الأحاديث المشهورة ، ولأنها مخالفة لأصول الزكوات في السوائم ; لأن فيها من موالاة بين واجبين لا وقص بينهما والأصل فيها أن يكون بين الفريضتين وقص [ ص: 27 ]

                                                                                                                                وهذا دليل عدم الثبوت .

                                                                                                                                قد حكي عن سفيان الثوري أنه قال : كان علي رضي الله عنه أفقه من أن يقول مثل هذا إنما هو غلط وقع من رجال علي رضي الله عنه أراد بذلك أن الراوي يجوز أن يكون سمعه يقول في ست وعشرين بنت مخاض ، وفي خمس وعشرين خمس من الغنم قيمة بنت مخاض فجمع بينهما .

                                                                                                                                واختلف العلماء في الزيادة على مائة وعشرين فقال أصحابنا : إذا زادت الإبل على هذا العدد تستأنف الفريضة ويدار الحساب على الخمسينان في النصاب وعلى الحقاق في الواجب ، لكن بشرط عود ما قبله من الواجبات والأوقاص بقدر ما يدخل فيه .

                                                                                                                                وبيان ذلك إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فلا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون فيها شاة وحقتان ، وفي العشر شاتان وحقتان ، وفي خمسة عشر ثلاث شياه وحقتان ، وفي عشرين أربع شياه وحقتان ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض وحقتان إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق في كل خمسين حقة ، ثم يستأنف الفريضة فلا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون فيها شاة وثلاث حقاق ، وفي العشر شاتان وثلاث حقاق ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه وثلاث حقاق ، وفي عشرين أربع شياه وثلاث حقاق .

                                                                                                                                فإذا بلغت مائة وخمسا وسبعين ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق فإذا بلغت مائة وستة وثمانين ففيها بنت لبون وثلاث حقاق إلى مائة وستة وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين ، فإن شاء أدى منها أربع حقاق من كل خمسين حقة ، وإن شاء أدى خمس بنات لبون من كل أربعين بنت لبون ثم يستأنف الفريضة أبدا في كل خمسين كما استؤنفت من مائة وخمسين إلى مائتين فيدخل فيها بنت مخاض وبنت لبون وحقة مع الشياه .

                                                                                                                                هذا قول أصحابنا .

                                                                                                                                وقال مالك : إذا زادت الإبل على مائة وعشرين واحدة لا تجب في الزيادة شيء إلى تسعة بل يجعل تسعة عفوا حتى تبلغ مائة وثلاثين .

                                                                                                                                وكذا إذا بلغت مائة وثلاثين فلا شيء في الزيادة إلى تسعة وثلاثين ويجعل كل تسعة عفوا وتجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة فيدار النصاب على الخمسينات والأربعينات ، والواجب على الحقاق وبنات لبون فيجب في مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون ; لأنها مرة خمسون ومرتين أربعون ، وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون ، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ، وفي مائة وستين أربع بنات لبون ، وفي مائة وسبعين حقة وثلاث بنات لبون ، وفي مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون ، وفي مائة وتسعين ثلاث حقاق وبنت لبون إلى مائتين فإن شاء أدى من المائتين أربع حقاق ، وإن شاء خمس بنات لبون .

                                                                                                                                وقال الشافعي مثل قول مالك : إنه يدار الحساب على الخمسينات والأربعينات في النصب ، وعلى الحقاق وبنات اللبون في الواجب .

                                                                                                                                وإنما خالفه في فصل واحد وهو أنه قال : إذا زادت الإبل على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون احتجا بما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقات وقرنه بقراب سيفه ولم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، ثم عمل به أبو بكر وعمر حتى قبضا وكان فيه { إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة } غير أن مالكا قال : لفظ الزيادة إنما تتناول زيادة يمكن اعتبار المنصوص عليه فيها وذلك لا يكون فيما دون العشرة والشافعي قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم علق هذا الحكم بنفس الزيادة وذلك يحصل بزيادة الواحدة فعندهما يوجب في كل أربعين بنت لبون .

                                                                                                                                وهذه الواحدة لتعيين الواجب بها فلا يكون لها حظ من الواجب ، ثم أعدل الأسنان بنت لبون والحقة ، فإن أدناها بنت مخاض وأعلاها الجذعة فالأعدل هو المتوسط .

                                                                                                                                ولنا ما روي عن قيس بن سعد أنه قال : قلت لأبي بكر بن عمرو بن حزم أخرج إلي كتاب الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم فأخرج كتابا في ورقة وفيه { فإذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم في كل خمس ذود شاة } .

                                                                                                                                وروي هذا المذهب عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما ، وهذا باب لا يعرف بالاجتهاد فيدل على سماعهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ما عندنا شيء نقرأه إلا كتاب الله عز وجل وهذه الصحيفة فيها أسنان الإبل أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن نخا لفها وروي أنه أنفذها إلى عثمان فقال له : مر سعاتك فليعملوا بها ، فقال : لا حاجة لنا فيها معنا مثلها ، وما هو خير منها فقد وافق عليا رضي الله عنهما .

                                                                                                                                ولأن وجوب الحقتين في مائة وعشرين [ ص: 28 ] ثابت باتفاق الأخبار وإجماع الأمة فلا يجوز إسقاطه إلا بمثله .

                                                                                                                                وبعد مائة وعشرين اختلفت الآثار فلا يجوز إسقاط ذلك الواجب عند اختلاف الآثار بل يعمل بحديث عمرو بن حزم ويحمل حديث ابن عمر رضي الله عنهما على الزيادة الكثيرة حتى تبلغ مائتين وبه نقول : إن في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة .

                                                                                                                                وأما قوله : إن الواجب في كل مال من جنسه فنعم إذا احتمل ذلك فلم قلتم : إن الزيادة تحتمل الواجب من الجنس فإن الزيادة لا يمكن إلحاقها بالمائة والعشرين لبقاء الحقتين فيها كما كانت ، ومع بقاء الحقتين فيها على حالهما لا يمكن البناء فلا تكون الزيادة مع بقاء الحقتين بعد محتملة للإيجاب من جنسه ، فلهذا صرنا إلى إيجاب القيمة فيها كما في الابتداء حتى أنه لما كان أمكن البناء مع بقاء الحقتين بعد مائة وخمسة وأربعين بنينا فنقلنا من بنات المخاض إلى الحقة إذا بلغت مائة وخمسين فلأنها ثلاث مرات خمسين فيوجب من كل خمسين حقة والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية