الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                بيان من تلزمه الخصومة في العيب .

                                                                                                                                فنقول وبالله التوفيق : الخصومة في البيع تلزم البائع سواء كان حكم العقد له أو لغيره بعد أن كان من أهل أن تلزمه الخصومة إلا القاضي أو أمينه كالوكيل والمضارب والشريك والمكاتب والمأذون والأب والوصي ; لأن الخصومة في العيب من حقوق العقد ، وحقوق العقد في هذا الباب راجعة إلى العاقد إذا كان أهلا ، فإن لم يكن بأن كان صبيا أو محجورا أو عبدا محجورا فالخصومة لا تلزمه وإنما تلزم الموكل على ما ذكرنا في كتاب الوكالة وأما القاضي أو أمينه : فالخصومة لا تلزمه ; لأن الولاية للقاضي إنما ثبتت شرعا نظرا لمن وقع له العقد ، فلو لزمه العهدة لامتنع عن النظر خوفا من لزوم العهدة ، فكان القاضي في هذا الباب بمنزلة الرسول فيه والوكيل في باب النكاح ، وما يلزم الوكيل من العهدة يرجع بها على الموكل .

                                                                                                                                والمكاتب والمأذون لا يرجعان على المولى ; لأن الوكيل يتصرف للموكل نيابة عنه ، وتصرف النائب كتصرف المنوب عنه وأما المكاتب والمأذون : فإنما يتصرفان بطريق الأصالة لأنفسهما لا بطريق النيابة عن المولى لما عرف أن الإذن فك الحجر وإزالة المانع ، فإذا زال الحجر بالإذن فالعبد يتصرف بمالكية نفسه فكان عاقدا لنفسه لا لمولاه ، والذي يقع للمولى هو حكم التصرف لا غير ، وإذا كان عاقدا لنفسه كانت العهدة عليه ، ولو رد المبيع على الوكيل هل له أن يرده على موكله ؟ فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه : .

                                                                                                                                ( إما ) أن يرده عليه ببينة قامت على العيب ، وإما أن يرده عليه بنكوله ، وإما أن يرده عليه بإقراره بالعيب ، فإن رده عليه ببينة قامت على العيب يرده على الموكل ; لأن البينة حجة مطلقة ، وهو نائب عنه فيلزم الموكل ، وإن رده عليه بنكوله فكذلك ; لأن نكوله مضاف إلى الموكل لكونه مضطرا ملجأ إليه ، ألا ترى أنه لا يملكه في الخصومة وإنما جاء هذا الاضطرار من ناحية الموكل ، لأنه هو الذي أوقعه فيه فكان مضافا إليه ، وإن رده عليه بإقراره بالعيب ينظر إن كان عيبا لا يحدث مثله يرد على الموكل ; لأنه علم بثبوته عند البيع بيقين .

                                                                                                                                وأما إن كان عيبا يحدث مثله لا يرد على الموكل حتى يقيم البينة ، فإن كان رد عليه بقضاء القاضي بإقراره لا يرد ; لأن إقرار المقر يلزمه دون غيره ; لأنه حجة قاصرة فكان حجة في حقه خاصة لا في حق موكله .

                                                                                                                                وإن رد عليه بغير قضاء لزم الوكيل خاصة سواء كان العيب يحدث مثله أو لا يحدث مثله ; لأن الرد بغير قضاء وإن كان فسخا في حق العاقدين فهو بيع جديد في حق غيرهما فلا يملك الرد على الموكل كما لو اشتراه ، فأما المضارب والشريك فبقبولهما يلزم رب المال والشريك الآخر ; لأن حكم شركتهما تلزمهما بخلاف الوكيل والله عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية