بيان من تلزمه الخصومة في العيب .
فنقول وبالله التوفيق : سواء كان حكم العقد له أو لغيره بعد أن كان من أهل أن تلزمه الخصومة إلا القاضي أو أمينه كالوكيل والمضارب والشريك والمكاتب والمأذون والأب والوصي ; لأن الخصومة في العيب من حقوق العقد ، وحقوق العقد في هذا الباب راجعة إلى العاقد إذا كان أهلا ، فإن لم يكن بأن كان صبيا أو محجورا أو عبدا محجورا فالخصومة لا تلزمه وإنما تلزم الموكل على ما ذكرنا في كتاب الوكالة وأما القاضي أو أمينه : فالخصومة لا تلزمه ; لأن الولاية للقاضي إنما ثبتت شرعا نظرا لمن وقع له العقد ، فلو لزمه العهدة لامتنع عن النظر خوفا من لزوم العهدة ، فكان القاضي في هذا الباب بمنزلة الرسول فيه والوكيل في باب النكاح ، وما يلزم الوكيل من العهدة يرجع بها على الموكل . الخصومة في البيع تلزم البائع
والمكاتب والمأذون لا يرجعان على المولى ; لأن الوكيل يتصرف للموكل نيابة عنه ، وتصرف النائب كتصرف المنوب عنه وأما المكاتب والمأذون : فإنما يتصرفان بطريق الأصالة لأنفسهما لا بطريق النيابة عن المولى لما عرف أن الإذن فك الحجر وإزالة المانع ، فإذا زال الحجر بالإذن فالعبد يتصرف بمالكية نفسه فكان عاقدا لنفسه لا لمولاه ، والذي يقع للمولى هو حكم التصرف لا غير ، وإذا كان عاقدا لنفسه كانت العهدة عليه ، ولو فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه : . رد المبيع على الوكيل هل له أن يرده على موكله ؟
( إما ) أن يرده عليه ببينة قامت على العيب ، وإما أن يرده عليه بنكوله ، وإما أن يرده عليه بإقراره بالعيب ، فإن رده عليه ببينة قامت على العيب يرده على الموكل ; لأن البينة حجة مطلقة ، وهو نائب عنه فيلزم الموكل ، وإن رده عليه بنكوله فكذلك ; لأن نكوله مضاف إلى الموكل لكونه مضطرا ملجأ إليه ، ألا ترى أنه لا يملكه في الخصومة وإنما جاء هذا الاضطرار من ناحية الموكل ، لأنه هو الذي أوقعه فيه فكان مضافا إليه ، وإن رده عليه بإقراره بالعيب ينظر إن كان عيبا لا يحدث مثله يرد على الموكل ; لأنه علم بثبوته عند البيع بيقين .
وأما إن كان عيبا يحدث مثله لا يرد على الموكل حتى يقيم البينة ، فإن كان رد عليه بقضاء القاضي بإقراره لا يرد ; لأن إقرار المقر يلزمه دون غيره ; لأنه حجة قاصرة فكان حجة في حقه خاصة لا في حق موكله .
وإن رد عليه بغير قضاء لزم الوكيل خاصة سواء كان العيب يحدث مثله أو لا يحدث مثله ; لأن الرد بغير قضاء وإن كان فسخا في حق العاقدين فهو بيع جديد في حق غيرهما فلا يملك الرد على الموكل كما لو اشتراه ، فأما المضارب والشريك فبقبولهما يلزم رب المال والشريك الآخر ; لأن حكم شركتهما تلزمهما بخلاف الوكيل والله عز وجل أعلم .