وعلى هذا الأصل يخرج عدد الطلاق قبل الدخول أنه إن أوقع مجتمعا يقع الكل وإن أوقع متفرقا لا يقع إلا الأول ; لأن الإيقاع إذا كان مجتمعا فقد صادف الكل محله - وهو الملك - فيقع الكل .
وإذا كان مفترقا فقد بانت بالأول ، والثاني والثالث صادفها ولا ملك ولا عدة فلا يقع ، وبيان هذا الأصل في مسائل إذا وقع ذلك عند عامة العلماء . قال لامرأته قبل الدخول بها : أنت طالق ثلاثا أو قال : أنت طالق اثنتين
وقال : لا يقع إلا واحدة ويلغو قوله : ثلاثا أو اثنتين ( وجه ) قوله إن قوله : أنت طالق كلام تام لكونه مبتدأ وخبرا وقد سبق العدد في الذكر فيسبق في الوقوع فبين بقوله أنت طالق ، والعدد يصادفها بعد حصول البينونة فيلغو كما إذا قال : أنت طالق وطالق . الحسن البصري
( ولنا ) أنه أوقع الثلاث جملة واحدة فيقع جملة واحدة ، ودلالة الوصف من وجهين : أحدهما أن العدد هو الواقع وهو الثلاث وقد أوقع الثلاث مجتمعا ، والثاني أن الكلام إنما يتم بآخره ; لأن المتكلم ربما يعلق كلامه بشرط أو بصفة إلى وقت أو يلحق به الاستثناء لحاجته إلى ذلك فيقف أول الكلام على آخره ، وإذا وقف عليه صار الكل جملة واحدة فيقع الكل جملة واحدة ولا يتقدم البعض على البعض ، ولهذا لو لم يقع شيء ; لأن الواقع هو العدد وذلك وجد بعد الموت . قال لها : أنت طالق واحدة فماتت بعد قوله طالق قبل قوله واحدة
وكذا لو لا يقع شيء ; لأنه توقف أول الكلام على وجود آخره المغير له فلم يتعلق بأوله حكم فلا يقع به شيء في حال الحياة ، ولا يقع بعد الموت لعدم التطليق عند وجود الاستثناء وعدم المحل أيضا ، وكذلك إذا ذكر بعده ما هو صفة له وقع بتلك الصفة كما إذا قال : أنت طالق بائن أو حرام ; لأن الصفة مع الموصوف كلام واحد فلا يفصل البعض عن البعض في الوقوع . قال لها : أنت طالق ثلاثا إن شاء الله فماتت بعد قوله ثلاثا قبل قوله إن شاء الله
وفائدة هذا لا تظهر في التنجيز ; لأن الطلاق قبل الدخول لا يقع إلا بائنا سواء وصفه بالبينونة أم لم يصفه ، وإنما تظهر في التعليق بأن يقول لها : أنت طالق بائن إن دخلت الدار إنه لا يتنجز بل يتعلق بالدخول ; لأن قوله : بائن بين الإيقاع والشرط لا يقع فاصلا بينهما لما ذكرنا أن الصفة مع الموصوف كلام واحد فلا يكون حائلا بين الإيقاع والشرط فلا يمنع التعليق بالشرط ، ولو قال لها : أنت طالق واحدة مع واحدة أو معها واحدة يقع ثنتان ; لأن كلمة مع للمقارنة فقد أوقع الطلاقين معا فيقعان معا كما لو كانت مدخولا بها .
وكذا لو ; لأن هذا إيقاع طلقة واحدة للحال وإضافة طلقة أخرى إلى الزمان الماضي فيقع في الحال واحدة ولم تصح إضافة الأخرى إلى الماضي لما فيه من الاستحالة فيقع في الحال ، ولو قال : أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعدها واحدة يقع واحدة ; لأنه أوقع تطليقة واحدة وأعقبها بتطليقة أخرى فوقعت الأولى ولغت الثانية لعدم الملك والعدة . قال : أنت طالق واحدة قبلها واحدة أو واحدة بعد واحدة