( فصل ) :
وأما الذي يرجع إلى .
الصيد فنقول : لا يجوز للمحرم أن يتعرض لصيد البر المأكول وغير المأكول عندنا إلا المؤذي المبتدئ بالأذي غالبا .
والكلام في هذا الفصل يقع في مواضع في أنه ما هو ؟ وفي بيان [ ص: 196 ] أنواعه ، وفي بيان ما يحل اصطياده للمحرم وما يحرم عليه ، وفي بيان حكم ما يحرم عليه اصطياده إذا اصطاده أما الأول فالصيد هو الممتنع المتوحش من الناس في أصل الخلقة إما بقوائمه ، أو بجناحه ، فلا يحرم على المحرم ذبح الإبل ، والبقر ، والغنم ، لأنها ليست بصيد لعدم الامتناع والتوحش من الناس . تفسير الصيد
وكذا الدجاج والبط الذي يكون في المنازل وهو المسمى بالبط الكسكري لانعدام معنى الصيد فيهما ، وهو الامتناع والتوحش .
فأما البط الذي يكون عند الناس ويطير فهو صيد لوجود معنى الصيد فيه ، والحمام المسرول صيد وفيه الجزاء عند عامة العلماء .
وعند ليس بصيد . مالك
وجه قوله : إن الصيد اسم للمتوحش ، والحمام المسرول مستأنس ، فلا يكون صيدا كالدجاج والبط الذي يكون في المنازل ، ولنا أن جنس الحمام متوحش في أصل الخلقة ، وإنما يستأنس البعض منه بالتولد والتأنيس مع بقائه صيدا كالظبية المستأنسة ، والنعامة المستأنسة والطوطي ونحو ذلك حتى يجب فيه الجزاء .
وكذا المستأنس في الخلقة قد يصير مستوحشا كالإبل ، إذا توحشت وليس له حكم الصيد حتى لا يجب فيه الجزاء ، فعلم أن العبرة بالتوحش ، والاستئناس في أصل الخلقة .
وجنس الحمام متوحش في أصل الخلقة وإنما يستأنس البعض منه لعارض ، فكان صيدا بخلاف البط الذي يكون عند الناس في المنازل ، فإن ذلك ليس من جنس المتوحش ، بل هو من جنس آخر ، والكلب ليس بصيد ; لأنه ليس بمتوحش بل هو مستأنس ، سواء كان أهليا أو وحشيا ; لأن الكلب أهلي في الأصل ، لكن ربما يتوحش لعارض فأشبه الإبل إذا توحشت .
وكذا السنور الأهلي ليس بصيد ; لأنه مستأنس .
وأما البري ففيه روايتان : روى هشام عن أن فيه الجزاء ، وروى أبي حنيفة الحسن عنه أنه لا شيء فيه كالأهلي .
وجه رواية هشام : أنه متوحش فأشبه الثعلب ونحوه .
وجه رواية الحسن : أن جنس السنور مستأنس في أصل الخلقة ، وإنما يتوحش البعض منه لعارض فأشبه البعير إذا توحش ، ولا بأس ; لأنها ليست بصيد لانعدام التوحش والامتناع ، ألا ترى أنها تطلب الإنسان مع امتناعه منها ؟ ، وقد روي عن بقتل البرغوث ، والبعوض ، والنملة ، والذئاب والحلم ، والقراد ، والزنبور رضي الله عنه أنه كان يقرد بعيره وهو محرم ; ولأن هذه الأشياء من المؤذيات المبتدئة بالأذى غالبا ، فالتحقت بالمؤذيات المنصوص عليها من الحية ، والعقرب وغيرهما ، ولا يقتل القملة لا لأنها صيد بل لما فيها من إزالة التفث ; لأنه متولد من البدن كالشعر ، والمحرم منهي عن إزالة التفث من بدنه فإن قتلها تصدق بشيء كما لو أزال شعرة ، ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الصدقة ، وروى عمر الحسن عن أنه قال : إذا قتل المحرم قملة أو ألقاها أطعم كسرة ، وإن كانتا اثنتين أو ثلاثا أطعم قبضة من الطعام ، وإن كانت كبيرة أطعم نصف صاع . أبي حنيفة
وكذا لا يقتل الجرادة ; لأنها صيد البر أما كونه صيدا فلأنه متوحش في أصل الخلقة وأما كونه صيد البر ; فلأن توالده في البر ، ولذا لا يعيش إلا في البر حتى لو وقع في الماء يموت فإن قتلها تصدق بشيء من الطعام ، وقد روي عن أنه قال : " ثمرة خير من جرادة " ولا بأس له بقتل عمر ; لأنها ليست بصيد ، بل من حشرات الأرض . هوام الأرض من : الفأرة ، والحية والعقرب ، والخنافس ، والجعلان ، وأم حبين ، وصياح الليل ، والصرصر ونحوها
وكذا القنفذ وابن عرس ; لأنهما من الهوام حتى قال : " ابن عرس من سباع الهوام " ، والهوام ليست بصيد ; لأنها لا تتوحش من الناس . أبو يوسف
وقال : " في القنفذ الجزاء ; لأنه من جنس المتوحش ولا يبتدئ بالأذى . أبو يوسف