الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما حكم زوال الإحصار : فالإحصار إذا زال لا يخلو من أحد وجهين : إما أن زال قبل بعث الهدي أو بعد ما بعث ، فإن زال قبل أن يبعث الهدي مضى على موجب إحرامه ، وإن كان قد بعث الهدي ثم زال الإحصار فهذا لا يخلو من أربعة أوجه .

                                                                                                                                إما أن كان يقدر على إدراك الهدي ، والحج ، أو لا يقدر على إدراكهما جميعا ، أو يقدر على إدراك الهدي دون الحج ، أو يقدر على إدراك الحج دون الهدي ، فإن كان يقدر على إدراك الهدي والحج لم يجز له التحلل ويجب عليه المضي فإن إباحة التحلل لعذر الإحصار ، والعذر قد زال ، وإن كان لا يقدر على إدراك واحد منهما لم يلزمه المضي ، وجاز له التحلل ; لأنه لا فائدة في المضي ، فتقرر الإحصار فيتقرر حكمه ، وإن كان يقدر على إدراك الهدي ، ولا يقدر على إدراك الحج لا يلزمه المضي أيضا لعدم الفائدة في إدراك الهدي دون إدراك الحج ، إذ الذهاب لأجل إدراك الحج ، فإذا كان لا يدرك الحج فلا فائدة في الذهاب ، فكانت قدرته على إدراك الهدي والعدم بمنزلة واحدة ، وإن كان يقدر على إدراك الحج ولا يقدر على إدراك الهدي قيل : إن هذا الوجه الرابع إنما يتصور على مذهب أبي حنيفة ; لأن دم الإحصار عنده لا يتوقف بأيام النحر ، بل يجوز قبلها فيتصور إدراك الحج دون إدراك الهدي .

                                                                                                                                فأما على مذهب أبي يوسف ، ومحمد فلا يتصور هذا الوجه إلا في المحصر عن العمرة ; لأن دم الإحصار عندهما مؤقت بأيام النحر ، فإذا أدرك الحج فقد أدرك الهدي ضرورة ، وإنما يتصور عندهما في المحصر عن العمرة ; لأن الإحصار عنها لا يتوقت بأيام النحر بلا خلاف ، وإذا عرف هذا فقياس مذهب أبي حنيفة في هذا الوجه أنه يلزمه المضي ، ولا يجوز له التحلل ; لأنه إذا قدر على إدراك الحج لم يعجز عن المضي في الحج ، فلم يوجد عذر الإحصار ، فلا يجوز له التحلل ويلزمه المضي ، وفي الاستحسان لا يلزمه المضي ويجوز له التحلل إلا أنه إذا كان لا يقدر على إدراك الهدي صار كأن الإحصار زال عنه بالذبح فيحل بالذبح عنه ; ولأن الهدي قد مضى في سبيله بدليل أنه لا يجب الضمان بالذبح على من بعث على يده بدنة ، فصار كأنه قدر على الذهاب بعد ما ذبح عنه والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية