وهو الذي يقول : كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفية زور .
قال الزبير : وحدثني عمر بن أبي بكر الموصلي ، قال : كان يلتمس الدين ، ويطمع في النبوة ، فخرج إلى أمية بن أبي الصلت الشام فمر بكنيسة ، وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم ، فقال أمية : إن لي حاجة في هذه الكنيسة فانتظروني ، فدخل الكنيسة ، ثم خرج إليهم كاسفا متغيرا فرمى بنفسه ، فأقاموا عليه حين سري عنه ثم مضوا فقضوا حوائجهم ، ثم رجعوا فلما صاروا إلى الكنيسة ، قال : انتظروني ودخل الكنيسة فأبطأ ثم خرج إليهم أسوأ من حاله الأول ، فقال له : قد شققت علي رفقتك ، فقال : خلوني فإني أرتاد لنفسي وأنظر لمعادي ، وإن ههنا راهبا عالما أخبرني أنه سيكون بعد أبو سفيان بن حرب عيسى ست رجفات وقد مضت منها خمس وبقيت واحدة ، فخرجت وأنا أطمع أن أكون نبيا ، وأخاف أن يخطئني فأصابني ما رأيت ، فلما رجعت أتيته فقال : قد كانت الرجفة وبعث نبي من العرب ، فأيست من النبوة ، فأصابني ما رأيت ، إذ فاتني ما كنت أطمع فيه .
[ ص: 402 ] قال : وقال : خرج الزهري أمية في سفر ، فنزلوا منزلا ، فأم أمية وجها ، وصعد في كثيب فرفعت له كنيسة فانتهى إليها ، فإذا بشيخ جالس ، فقال لأمية حين رآه : إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك ؟ قال : من شقي الأيسر ، قال : فأي الثياب أحب إليه أن تلقاه فيها ؟ قال : السواد ، قال : كدت تكون نبي العرب ، ولست هو أو ولست به ، هذا خاطر من الجن وليس بملك وإن نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه الملك من شقه الأيمن ، وأحب الثياب إليه أن يلقاه فيها البياض .
قال : وأتى الزهري أمية أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر عمي الخبر ، فهل أحسست شيئا ؟ قال : لا والله ، قال : قد وجدته يخرج في هذا العام .
وقال عمر بن شيبة : سمعت خالد بن يزيد يقول : إن أمية صحباني في تجارة إلى وأبا سفيان بن حرب الشام ، فذكر نحو الحديث الأول ، وزاد فيه : فخرج من عند الراهب وهو يعتل ، فقال له أبو سفيان : إن بك لشرا فما قصتك ؟ قال : خير ، أخبرني عن عتبة بن ربيعة : كم سنه ؟ فذكر سنا ، قال أخبرني عن ماله ، فذكر مالا ، فقال له : وضعته ، قال أبو سفيان : بل رفعته ، فقال : إن صاحب هذا الاسم ليس بشيخ ، ولا بذي [ ص: 403 ] مال ، قال : وكان الراهب أتاه وأخبره ، فقال : إن صاحب هذا الأمر لرجل من قريش .
قال الزبير : وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي ، قال حدثني رجل من أهل الكوفة ، قال : كان أمية نائما فجاءه طائران ، فوقع أحدهما على باب البيت ، ودخل الآخر فشق عن قلبه ثم رده الطائر ، فقال له الطائر الآخر : أوعى ؟ قال : نعم ، أزكى ؟ قال : أبى .
وقال : دخل يوما الزهري على أخته وهي تهيئ أدما لها فأدركه النوم ، فنام على سرير في ناحية البيت ، فانشق جانب من السقف في البيت وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره ووقف الآخر مكانه ، فشق الواقع صدره ، فأخرج قلبه فشقه ، ثم قال الطائر الأخر للذي على صدره : أوعى ؟ قال : وعى ، قال : أقبل ؟ ، قال : أبى ، فرد قلبه في موضعه ، ثم مضى ، فأتبعهما أمية بن أبي الصلت أمية طرفه ، وقال :
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما . لا برئ فاعتذر
ولا ذا عشيرة فأنتصر
لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما
، لا مال لي يغنيني ولا عشيرة تحميني
فرجع الطائر فوقع على صدره فشقه حتى أخرج قلبه فشقه ، فقال الطائر الأعلى : أوعى ؟ قال : وعى ، قال : أقبل ؟ قال : أبى ، فنهض فأتبعهما أمية بصره وقال :
لبيكما [ ص: 404 ] لبيكما ها أنا ذا لديكما
، محفوف بالنعم محفوظ بالدين
.
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي في تلال الجبال أرعى الوعولا
اجعل الموت نصب عينيك واحذر غولة الدهر إن للدهر غولا