الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قول داود في مزمور آخر : إن الله سبحانه وتعالى أظهر من صهيون إكليلا محمودا .

وضرب الإكليل مثلا للرئاسة والأمانة ، ومحمود هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال في صفته : ويجوز من البحر إلى البحر من لدن الأنهار إلى منقطع الأرض ، وإنه لتخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم ، ويلمس أعداؤه التراب ، تأتيه ملوك الفرس وتسجد له ، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد ، ويخلص المضطهد اليائس ممن هو أقوى منه ، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ، ويرأف بالمسكين والضعفاء ، ويصلى عليه في كل وقت ويبارك .

ولا يشكل على عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات ، وعرف سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة أمته من بعده أن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا عليه وعلى أمته ، لا على المسيح ولا على [ ص: 355 ] نبي غيره ، فإنه حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي ، ومن لدن الأنهار سيحون وجيحون والفرات ونيل مصر إلى منقطع الأرض بالغرب ، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم : زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها .

وهو الذي يصلى عليه ويبارك في كل وقت ، وفي كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها ، وهو الذي خرت أهل الجزائر بين يديه ، أهل جزيرة العرب ، وأهل الجزيرة التي بين الفرات ودجلة ، وأهل جزيرة الأندلس ، وأهل جزيرة قبرص ، وخضعت له ملوك الفرس ، ولم يبق فيهم إلا من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون ، بخلاف ملوك الروم فإن فيهم من لم يسلم ، ولم يؤد الجزية ، فلهذا ذكر في البشارة ملوك الفرس خاصة ، ودانت له الأمم التي سمعت به وبأمته ، وأنقذ الضعفاء من الجبارين ، وهذا بخلاف المسيح فإنه لم يتمكن هذا التمكين في حياته ، ولا من اتبعه بعد رفعه إلى [ ص: 356 ] السماء ، ولا حازوا ما ذكر ، ولا يصلون عليه ، ويباركون في اليوم والليلة ، فإن القوم يدعون إلهيته ويصلون له .

التالي السابق


الخدمات العلمية