فمنهم من يقول : المسيح ومريم إلهان من دون الله وهم المريمانية .
ومنهم من يقول : المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار ، تعلقت من شعلة نار ، فلم تنقص من الأولى لإيقاد الثانية منها .
ومنهم من كان يقول : لم تحبل مريم تسعة شهور ، وإنما مر نور في بطن مريم كما يمر الماء في الميزاب ، لأن كلمة الله دخلت من أذنها وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها ، وهذه مقالة ألبان وأشياعه .
ومنهم من كان يقول : إن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره ، وإن ابتدأ الابن من مريم ، وأنه اصطفي ليكون مخلصا للجوهر الإنسي صحبته النعمة الإلهية ، فحلت منه بالمحبة والمشيئة فلذلك سمي ابن الله .
[ ص: 555 ] ويقولون : إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد ، ويسمونه بثلاثة أسماء ، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس ، وهذه مقالة بولس وأشياعه .
ومنهم من كان يقول : ثلاثة آلهة لم يزل صالح وطالح وعدل بينهما ، وهذه مقالة مرقيون وأشياعه .
ومنهم من يقول : ربنا هو المسيح ، وهي مقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا .
قال ابن البطريق : فلما سمع قسطنطين الملك مقالاتهم عجب من ذلك ، وأخلى لهم دارا ، وتقدم لهم بالإكرام والضيافة ، وأمرهم أن يتناظروا فيما بينهم لينظر من معه الحق فيتبعه ، فاتفق منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أسقفا على دين واحد ورأي واحد .
وناظروا بقية الأساقفة المختلفين ، ففلحوا عليهم في المناظرة .
وكان باقي الأساقفة مختلفي الأراء والأديان ، فصنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفا مجلسا عظيما ، وجلس في وسطه ، وأخذ خاتمه وسيفه ، وقضيبه فدفع ذلك إليهم ، وقال لهم : قد سلطتكم اليوم على المملكة ، فاصنعوا ما بدا لكم ، وما ينبغي لكم أن تصنعوا ، مما فيه قوام الدين وصلاح الأمة ، فباركوا على الملك وقلدوه سيفه ، وقالوا له : أظهر دين النصرانية وذب عنه ، ووضعوا له أربعين كتابا فيها السنن والشرائع ، وفيها ما يصلح أن يعمل فيه الأساقفة وما يصلح للملك أن يعمل فيها .
[ ص: 556 ] وكان رئيس القوم والجمع المقدم فيه بترك الإسكندرية ، وبترك أنطاكية وأسقف بيت المقدس .