قال آريوس : أقول : إن الأب كان إذا لم يكن الابن ، ثم إنه أحدث الابن ، وكان كلمة له إلا أنه محدث مخلوق ، ثم فوض الأمر إلى ذلك الابن المسمى كلمة ، فكان هو خالق السماوات والأرض وما بينهما ، كما قال في إنجيله إذ يقول : وهب لي سلطانا على السماء والأرض ، وكان هو الخالق لهما بما أعطي من ذلك ، ثم إن الكلمة تجسدت من مريم العذراء ، ومن روح القدس فطر ذلك مسيحا واحدا ، فالمسيح الآن معنيان كلمة وجسد إلا أنهما جميعا مخلوقان .
فأجابه عند ذلك بترك الإسكندرية ، وقال : تخبرنا أيما أوجب علينا عندك : عبادة من خلقنا أو عبادة من لم يخلقنا ؟
قال آريوس : بل عبادة من خلقنا .
قال له البترك : فإن كان خالقنا الابن - كما وصفت - وكان الابن مخلوقا ، فعبادة الابن المخلوق أوجب من عبادة الأب الذي ليس بخالق ، بل تصير عبادة الآب الذي خلق [ ص: 554 ] الابن كفرا ، وعبادة الابن المخلوق إيمانا ، وذلك من أقبح الأقاويل ، فاستحسن الملك وكل من حضر مقالة البترك ، وشنع عندهم مقالة آريوس ، ودارت بينهما أيضا مسائل كثيرة ، فأمر قسطنطين البترك أن يكفر آريوس وكل من قال بمقالته ، فقال له : بل يوجه الملك بشخص البتارك والأساقفة حتى يكون لنا مجمع ونضع فيه قضية ، ويكفر آريوس ، ونشرح الدين ، ونوضحه للناس ، فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان فجمع البتاركة والأساقفة ، فاجتمع في مدينة نيقية بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون أسقفا ، فكانوا مختلفي الأراء ، مختلفي الأديان .