ذكر . أقوال طبقة أخرى في صفة العلو
عن نوح الجامع قال : كنت عند أبي حنيفة أول ما ظهر جهم ، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما ، فدخلت الكوفة فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف نفس ، فقيل لها : إن هاهنا رجلا نظر في المعقول ، يقال له أبو حنيفة ، فأتيه ، فأتته فقالت : أنت الذي تعلم الناس المسائل ، وقد تركت دينك ، أين إلهك الذي تعبده ؟ فسكت عنها ، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها ، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا : إن الله - عز وجل - في السماء دون الأرض ، فقال له رجل : أرأيت قول الله عز وجل : ( وهو معكم ) ؟ قال : هو كما تكتب إلى الرجل أني معك ، وأنت غائب عنه . رواه البيهقي ، ثم قال : لقد أصاب أبو حنيفة - رحمه الله - فيما نفى عن الله - عز وجل - من الكون في الأرض ، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية ، وتبع مطلق السمع بأن الله - تعالى - في السماء ، قلت : وإنما أراد بقوله هو كما تكتب إلى الرجل . . . إلخ نفي الحلول ، وإلا فربنا - تبارك وتعالى - سواء عنده الغيب والشهادة ، والسر والعلانية .
وعن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي قال : سألت عمن يقول : لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض . قال : إذا أنكر أنه في السماء أو في الأرض ، فقال : قد كفر ; لأن الله - تعالى - يقول : ( أبا حنيفة الرحمن على العرش استوى ) [ ص: 185 ] ، وعرشه فوق سماواته ، فقلت : إنه يقول : أقول على العرش استوى ، ولكن قال : لا يدري العرش في السماء أو في الأرض . قال : إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر . رواه شيخ الإسلام الأنصاري في الفاروق ، وروى المقدسي عنه - رحمه الله تعالى - أنه قال : من أنكر الله - عز وجل - في السماء ، فقد كفر .
وعن أبي جريج - رحمه الله تعالى - قال : كان عرشه على الماء قبل أن يخلق الخلق . وروى الحاكم ، عن - رحمه الله تعالى - قال : كنا والتابعون متوافرون ، نقول : إن الله - عز وجل - فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت السنة من صفاته . وأخرجه الأوزاعي البيهقي في الأسماء والصفات . وللثعلبي عنه في قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) قال : هو على عرشه كما وصف نفسه . وسئل - رحمه الله تعالى - عن أحاديث الصفات ، فقال : أمرها كما جاءت .
وعن في قوله تعالى : ( مقاتل بن حيان ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) قال : هو على عرشه ، وعلمه معهم . رواه عبد الله بن أحمد في السنة .
عنه قال : بلغنا والله أعلم في قوله تعالى : ( وللبيهقي هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) : هو الأول قبل كل شيء ، والآخر بعد كل شيء ، والظاهر فوق كل شيء ، والباطن أقرب من كل شيء ، وإنما قربه بعلمه ، وهو فوق عرشه . وعن في قوله : ( سفيان الثوري وهو معكم أين ما ) قال : علمه . وقال في جميع أحاديث الصفات : أمروها كما جاءت .
[ ص: 186 ] وعن الإمام - رحمه الله تعالى - قال : الله في السماء ، وعلمه في كل مكان ، لا يخلو منه شيء . وسأله رجل فقال : يا مالك بن أنس أبا عبد الله ، ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ فأطرق مالك ، وأخذته الرحضاء ، ثم رفع رأسه ، فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يقال كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت صاحب بدعة ، أخرجوه . وفي رواية قال : الكيف غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالا ، وأمر به فأخرج .
وقال : ويلكم ، ما تنكرون هذا الأمر ، والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن ما هو أثبت منه ، قول الله تعالى : ( سلام بن أبي مطيع إن الله سميع بصير - ويحذركم الله نفسه تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك - ثم استوى على العرش - والسماوات مطويات بيمينه - ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي - وكلم الله موسى تكليما - ياموسى إني أنا الله ) ، فما زال في ذلك من العصر إلى المغرب .
وصح عن أنه سئل عما جحدت به ابن الماجشون الجهمية ، فقال : أما بعد ، فقد فهمت ما سألت عنه فيما تتابعته الجهمية في صفة الرب العظيم الذي فاتت عظمته الوصف والتقدير ، وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدره ، فلم تجد العقول مساغا ، فرجعت خاسئة حسيرة ، وإنما أمروا بالنظر والتفكير فيما خلق ، وإنما يقال كيف لما لم يكن مرة ثم كان ، أما من لا يحول ولا يزول ، ولم يزل وليس له مثل ، فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو . وساق فصلا طويلا في هذا المعنى ، وذكر [ ص: 187 ] جملة من نصوص الصفات - رحمه الله .
وقال : إنما يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله - يعني حماد بن زيد الجهمية . رواه ، وقال ابن أبي حاتم الرازي محمد بن إسحاق إمام أهل المغازي : كان الله - تعالى - كما وصف نفسه ، إذ ليس إلا الماء عليه العرش ، وعلى العرش ذو الجلال والإكرام ، الظاهر في علوه على خلقه ، فليس شيء فوقه ، الباطن لإحاطته بخلقه ، فليس شيء دونه ، الدائم الذي لا يبيد ، وكان أول ما خلق النور والظلمة ، ثم السماوات السبع من دخان ، ثم دحا الأرض ، ثم استوى إلى السماء فحبكهن وأكمل خلقهن في يومين ، ففرغ من خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش .