[ ص: 954 ] ( فصل ) : . القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال
واتفقت جميع الكتب السماوية والسنن النبوية على أن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال ، بل يوجب الجد والاجتهاد والحرص على العمل الصالح ، ولهذا لما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بسبق المقادير وجريانها وجفوف القلم بها ، فقيل له : أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : لا ، اعملوا فكل ميسر ، ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) ، ( الليل 5 - 10 ) كما في الأحاديث التي قدمنا وغيرها ، فالله - سبحانه وتعالى - قدر المقادير ، وهيأ لها أسبابا ، وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد ، وقد يسر كل من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة ، فهو مهيأ له ميسر له ، فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهادا في فعلها والقيام بها ، وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه من كون الحرث سببا في وجود الزرع ، والنكاح سببا في وجود النسل ، وكذلك العمل الصالح سبب في دخول الجنة ، والعمل السيئ سبب في دخول النار ، وقد فقه هذا كل الفقه من قال من الصحابة لما سمع أحاديث القدر : ما كنت بأشد اجتهادا مني الآن ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم : . احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجزن ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا ، لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل
وفي المسند والترمذي من حديث وابن ماجه ، عن الزهري ابن أبي خزامة ، عن أبيه أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : . يعني : أن الله - تبارك وتعالى - قدر الخير والشر وأسباب كل منهما . أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة [ ص: 955 ] نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئا ؟ قال : هي من قدر الله