فصل .
قال الرافضي : :
[1] : الثالث
[2] : قوله
[3] :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661426nindex.php?page=treesubj&link=31295_31309أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . [ أثبت له " عليه السلام " جميع
[ ص: 326 ] منازل
هارون من
موسى عليه السلام للاستثناء ]
[4] ، ومن جملة
[5] منازل
هارون أنه كان خليفة
لموسى ، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا ، وإلا ( لزم ) تطرق النقض إليه
[6] ، ولأنه خليفته
[7] مع وجوده ، وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة
[8] أولى بأن يكون خليفته "
[9] .
والجواب : أن هذا الحديث ثبت
[10] في الصحيحين بلا ريب وغيرهما ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال له
[11] ذلك في غزوة
تبوك [12] ، وكان صلى الله عليه وسلم كلما سافر في غزوة ، أو عمرة ، أو حج يستخلف على
المدينة بعض الصحابة كما استخلف على
المدينة في غزوة ذي . . . أمر
[13] عثمان
[14] ، وفي غزوة
بني قينقاع [ ص: 327 ] بشير بن ( عبد ) المنذر [15] ، ولما غزا
قريشا ، ووصل
[16] إلى الفرع استعمل
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم [17] ، وذكر ذلك
محمد بن سعد [18] وغيره .
وبالجملة فمن المعلوم أنه كان لا يخرج من
المدينة حتى يستخلف ، وقد ذكر المسلمون من كان يستخلفه ، فقد سافر من
المدينة في عمرتين : عمرة
الحديبية ، وعمرة القضاء ، وفي حجة الوداع ، وفي مغازيه - أكثر من عشرين غزاة - وفيها كلها استخلف
[19] ، وكان يكون
بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه ، فلما كان في غزوة
تبوك لم يأذن لأحد في التخلف عنها ، وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم ، ولم يجتمع
[ ص: 328 ] معه أحد كما اجتمع معه فيها فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان ، أو من هو معذور لعجزه عن الخروج ، أو من هو منافق ، وتخلف الثلاثة الذين تيب عليهم ، ولم
[20] يكن في
المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم كما كان يستخلف عليهم في كل مرة ، بل كان هذا الاستخلاف أضعف من
[21] الاستخلافات المعتادة منه ; لأنه لم يبق في
المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحدا كما كان يبقى في جميع مغازيه فإنه كان يكون
بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم من يستخلف ، فكل استخلاف استخلفه
[22] في مغازيه مثل استخلافه في غزوة
بدر الكبرى ، والصغرى ، وغزوة
بني المصطلق ،
والغابة ،
وخيبر ، وفتح
مكة ، وسائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال ، ومغازيه بضع عشرة غزوة ، وقد استخلف فيها كلها إلا القليل ، وقد استخلف في حجة الوداع ، وعمرتين قبل غزوة
تبوك .
وفي كل مرة يكون
بالمدينة أفضل ممن بقي في غزوة
تبوك فكان كل استخلاف قبل هذه يكون
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أفضل ممن استخلف عليه
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا ، فلهذا خرج إليه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه يبكي ، وقال : أتخلفني مع النساء والصبيان ؟
وقيل : إن بعض المنافقين طعن فيه ، وقال : إنما خلفه ; لأنه يبغضه ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم :
إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي [ ص: 329 ] وإن الاستخلاف ليس بنقص ولا غض ، فإن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يكون نقصا [23] ، وموسى ليفعله [24] بهارون ؟ فطيب بذلك قلب
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وبين أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته ، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه ، وذلك لأن المستخلف يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد خرج معه جميع الصحابة .
والملوك - وغيرهم - إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به ، ومعاونته لهم
[25] ، ويحتاجون إلى مشاورته ، والانتفاع برأيه ، ولسانه ، ويده ، وسيفه .
والمتخلف
[26] إذا لم يكن له في
المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله ، فظن من ظن أن هذا غضاضة من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، ونقص منه ، وخفض من منزلته حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي ، واجتهاد ، بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير
[27] سعي واجتهاد فكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مبينا أن جنس الاستخلاف ليس نقصا ولا غضا ; إذ لو كان نقصا أو غضا لما فعله
موسى بهارون ، ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف
هارون ; لأن العسكر كان مع
هارون ، وإنما ذهب
موسى وحده .
وأما استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فجميع العسكر كان معه
[ ص: 330 ] ولم يخلف
[28] بالمدينة - غير النساء والصبيان - إلا معذور أو عاص .
وقول
[29] القائل : " هذا بمنزلة هذا ، وهذا مثل هذا " هو كتشبيه الشيء بالشيء ، وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأسارى لما استشار
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ، وأشار بالفداء ، واستشار
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فأشار بالقتل . قال : " سأخبركم عن صاحبيكم
[30] .
nindex.php?page=hadith&LINKID=684297مثلك يا nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال: ( nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ) ( سورة إبراهيم : 36 ) ، ومثل عيسى إذ قال: ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) ( سورة المائدة : 118 ) ، ومثلك يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر مثل نوح إذ قال: ( nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ( سورة نوح : 26 ) ، ومثل [31] موسى إذ قال: ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=88ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ) ( سورة يونس : 88 )
[32] .
فقوله لهذا : مثلك كمثل
[33] إبراهيم ،
وعيسى ، ولهذا : مثل
نوح ،
وموسى - أعظم من قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661426أنت مني بمنزلة هارون من موسى ; فإن
نوحا ،
وإبراهيم ،
وموسى ،
وعيسى أعظم من
هارون ، وقد جعل هذين مثلهم ، ولم
[ ص: 331 ] يرد أنهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله ، واللين في الله .
وكذلك هنا إنما هو بمنزلة
هارون فيما دل عليه السياق ، وهو استخلافه في مغيبه كما استخلف
موسى هارون ، وهذا الاستخلاف ليس من خصائص
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، بل ولا هو مثل استخلافاته ، فضلا عن أن يكون أفضل منها ، وقد استخلف من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أفضل منه في كثير من الغزوات ، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي إذا قعد معه فكيف يكون موجبا لتفضيله على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ؟
بل قد استخلف على
المدينة غير واحد ، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة
هارون من
موسى من جنس استخلاف
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام
تبوك ، وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر فإنه كان يخاف من الأعداء على
المدينة .
فأما عام
[34] تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب
بالحجاز ، وفتحت
مكة ، وظهر الإسلام وعز ، ولهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب
بالشام ، ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو ، ولهذا لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم عند
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أحدا من المقاتلة كما كان يدع بها في سائر الغزوات ، بل أخذ المقاتلة كلهم معه .
وتخصيصه
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي بالذكر هنا هو مفهوم اللقب ، وهو نوعان : لقب هو جنس ، ولقب يجري مجرى العلم ، مثل زيد ، وأنت ، وهذا المفهوم
[ ص: 332 ] أضعف المفاهيم ، ولهذا كان جماهير أهل الأصول والفقه على أنه لا يحتج به فإذا قال :
محمد رسول الله لم يكن هذا نفيا للرسالة عن غيره ، لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص فإنه يحتج به على الصحيح .
كقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79ففهمناها سليمان ) ( سورة الأنبياء : 79 ) ، وقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ( سورة المطففين : 15 ) .
وأما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه ، فلا يحتج به باتفاق الناس فهذا
[35] من ذلك ; فإنه إنما خص
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا بالذكر ; لأنه خرج إليه يبكي ، ويشتكي
[36] تخليفه مع النساء ، والصبيان .
ومن استخلفه سوى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصا لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام ، والتخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتض الاختصاص بالحكم ،
nindex.php?page=treesubj&link=31309_31295فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى ، كما أنه لما قال للمضروب الذي نهى عن لعنه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=849318دعه فإنه يحب الله ورسوله "
[37] ، لم يكن هذا دليلا على أن غيره لا يحب الله ورسوله ، بل ذكر ذلك لأجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه .
ولما
nindex.php?page=hadith&LINKID=654511استأذنه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه في قتل nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب بن أبي بلتعة قال : " دعه فإنه قد شهد بدرا "
[38] ، ولم يدل هذا على أن غيره لم يشهد
بدرا ، بل ذكر المقتضي لمغفرة ذنبه .
[ ص: 333 ] وكذلك لما شهد للعشرة بالجنة لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه .
وكذلك لما قال
nindex.php?page=showalam&ids=35للحسن وأسامة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=942475اللهم إني أحبهما فأحبهما ، وأحب من يحبهما "
[39] ، لا يقتضي أنه لا يحب غيرهما ، بل كان يحب غيرهما أعظم من محبتهما .
وكذلك لما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=666165لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة "
[40] لم يقتض أن من سواهم يدخلها .
وكذلك لما شبه
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر بإبراهيم وعيسى * ، لم يمنع ذلك أن
[41] يكون في أمته وأصحابه
[42] من يشبه
إبراهيم وعيسى *
[43] ، وكذلك لما شبه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بنوح وموسى لم يمتنع
[44] أن يكون في أمته من يشبه
نوحا ،
وموسى .
فإن قيل : إن هذين أفضل من يشبههم من أمته .
قيل : الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة
[45] في أصل التشبيه .
وكذلك لما قال عن
عروة بن مسعود : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=943042إنه مثل صاحب ياسين "
[46] .
[ ص: 334 ] ، وكذلك لما قال
للأشعريين : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=697695هم مني ، وأنا منهم "
[47] لم يختص ذلك بهم ، بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=889412أنت مني ، وأنا منك " ، وقال
لزيد : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=681732أنت أخونا ، ومولانا "
[48] وذلك لا يختص
بزيد ، بل
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة أخوهم ومولاهم .
وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جدا ، وهي لا توجب
[49] التماثل من كل وجه ، بل فيما سيق الكلام له ، ولا يقتضي اختصاص المشبه بالتشبيه ، بل يمكن أن يشاركه غيره له
[50] في ذلك .
قال تعالى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) ( سورة البقرة : 261 ) .
وقال تعالى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ) ( سورة يس : 13 ) .
وقال: (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر ) ( سورة آل عمران : 117 ) .
وقد قيل : إن في القرآن اثنين وأربعين مثلا .
وقول القائل : إنه جعله بمنزلة
هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل ; فإن قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=682253أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ "
[ ص: 335 ] دليل على أنه يسترضيه بذلك ، ويطيب قلبه لما توهم من وهن الاستخلاف ، ونقص درجته فقال هذا على سبيل الجبر له .
وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=682253بمنزلة هارون من موسى ، أي مثل منزلة
هارون ، فإن
[51] نفس منزلته من
موسى بعينها لا تكون لغيره ، وإنما يكون له ما يشابهها
[52] فصار هذا كقوله هذا مثل هذا ، وقوله عن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر : مثله مثل
إبراهيم وعيسى ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر : مثله مثل
نوح وموسى .
ومما يبين ذلك أن هذا
[53] كان عام
تبوك ، ثم بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=663168nindex.php?page=treesubj&link=31295_31309_31139بعث nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر أميرا على الموسم ، وأردفه nindex.php?page=showalam&ids=8بعلي فقال [ nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي ] [54] : أمير أم مأمور ؟ [ فقال : ، بل مأمور ] [55] فكان nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر أميرا عليه ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي معه كالمأمور مع أميره : يصلي خلفه ، ويطيع أمره [56] ، وينادي خلفه [57] مع الناس بالموسم : ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان [58] .
[ ص: 336 ] وإنما أردفه به لينبذ العهد إلى العرب ، فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع أو رجل من أهل بيته ، فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم .
ومما يبين ذلك أنه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده لم يكن هذا خطابا بينهما يناجيه به ، ولا كان أخره حتى يخرج إليه علي ويشتكي ، بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه ، وتبليغه للناس كلهم بلفظ يبين المقصود .
، ثم من جهل
الرافضة أنهم يتناقضون ، فإن هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطب
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة
تبوك ، فلو كان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي قد عرف أنه المستخلف من بعده - كما رووا ذلك فيما تقدم - لكان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي مطمئن القلب أنه مثل
هارون بعده وفي حياته ، ولم يخرج إليه يبكي
[59] ، ولم يقل له : أتخلفني مع النساء والصبيان ؟
ولو كان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بمنزلة
هارون مطلقا لم يستخلف عليه أحدا ، وقد كان
[ ص: 337 ] يستخلف على
المدينة غيره وهو فيها ، كما استخلف على
المدينة عام
خيبر غير
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بها أرمد حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية حين قدم ، وكان قد أعطى الراية رجلا فقال
[60] : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652787لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله "
[61] .
وأما قوله : " لأنه خليفته
[62] مع وجوده وغيبته مدة يسيرة ، فبعد
[63] موته وطول مدة الغيبة
[64] أولى بأن يكون خليفته
[65] .
فالجواب أنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي استخلافا أعظم من استخلاف علي ، واستخلف
[66] أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا ، وقد استخلف بعد
تبوك على
المدينة غير
nindex.php?page=showalam&ids=8علي في حجة الوداع ، فليس جعل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على
المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على
المدينة كما استخلفه ، وأعظم مما استخلفه ، وآخر الاستخلاف كان على
المدينة كان
[67] عام حجة الوداع ، وكان
[68] nindex.php?page=showalam&ids=8علي باليمن ، وشهد معه الموسم لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير
nindex.php?page=showalam&ids=8علي .
[ ص: 338 ] فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف ، فبقاء من استخلفه
[69] في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك .
وبالجملة فالاستخلافات على
المدينة ليست من خصائصه ، ولا تدل على الأفضلية ، ولا على الإمامة ، بل قد استخلف عددا غيره لكن هؤلاء جهال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وغيره خاصة
nindex.php?page=showalam&ids=8بعلي ، وإن كان غيره أكمل منه فيها كما فعلوا في النصوص والوقائع .
وهكذا فعلت
النصارى جعلوا ما أتى به المسيح من الآيات دالا على شيء يختص به
[70] من الحلول والاتحاد ، وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما أتى به ، وكان ما أتى به
موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون
إبراهيم وعيسى لا بحلول ولا اتحاد
[71] ، بل إن كان ذلك كله ممتنعا ، فلا ريب أنه كله ممتنع في الجميع ، وإن فسر ذلك بأمر ممكن ، كحصول معرفة الله والإيمان به ، والأنوار الحاصلة بالإيمان به ونحو ذلك فهذا قدر مشترك وأمر
[72] ممكن .
وهكذا الأمر مع
الشيعة : يجعلون الأمور المشتركة بين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وغيره ، التي تعمه وغيره ، مختصة به حتى رتبوا
[73] عليه ما يختص به من العصمة ، والإمامة ، والأفضلية ، وهذا كله منتف
[ ص: 339 ] فمن عرف سيرة الرسول ، وأحوال الصحابة ، ومعاني القرآن ، والحديث علم أنه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته ، ولا إمامته ، بل فضائله مشتركة ، وفيها من الفائدة إثبات إيمان
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وولايته ، والرد على
النواصب الذين يسبونه ، أو يفسقونه ، أو يكفرونه
[74] ، ويقولون فيه من جنس ما تقوله
الرافضة في الثلاثة .
ففي فضائل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي الثابتة رد على
النواصب ، كما أن في فضائل الثلاثة ردا على
الروافض .
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان رضي الله عنه تقدح فيه
الروافض ،
والخوارج ، ولكن شيعته يعتقدون إمامته ، ويقدحون
[75] في إمامة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وهم في بدعتهم خير من شيعة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي الذين يقدحون في غيره ،
والزيدية الذين يتولون
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر مضطربون فيه .
وأيضا فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة ، لا بد منه لكل ولي أمر ، وليس كل ( من )
[76] يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يستخلف بعد الموت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف في حياته غير واحد ، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته ، وذلك
كبشير بن ( عبد ) المنذر [77] ، وغيره .
وأيضا فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس
[ ص: 340 ] كما يطالب بذلك ولاة الأمور ، وأما بعد موته فلا يطالب بشيء ; لأنه قد بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه ، ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء ، وقسم الفيء ، وإقامة الحدود ، واستعمال العمال ، وغير ذلك مما يوجب على ولاة الأمور بعده ، وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك .
فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت ، والإنسان إذا استخلف أحدا في حياته على أولاده ، وما يأمر به من البر كان * المستخلف وكيلا محضا
[78] يفعل ما أمر به الموكل ، وإن استخلف أحدا على أولاده بعد موته ، كان *
[79] وليا مستقلا يعمل بحسب المصلحة ، كما أمر الله ورسوله
[80] ، ولم يكن * وكيلا للميت .
وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصا في حياته فإنه يفعل ما يأمره به في القضايا المعينة ، وأما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته ، كما أمر الله ورسوله ، فإن *
[81] هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلفه فإنه يضاف إلى من استخلفه لا إليه فأين
[82] هذا من هذا ! ؟
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31309_29668ولم يقل أحد من العقلاء : إن من استخلف شخصا على بعض الأمور ، وانقضى ذلك الاستخلاف : إنه يكون خليفة بعد موته على
[ ص: 341 ] شيء ، ولكن
الرافضة من أجهل الناس بالمعقول ، والمنقول
[83] .
فَصْلٌ .
قَالَ الرَّافِضِيُّ : :
[1] : الثَّالِثُ
[2] : قَوْلُهُ
[3] :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661426nindex.php?page=treesubj&link=31295_31309أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي . [ أَثْبَتَ لَهُ " عَلَيْهِ السَّلَامُ " جَمِيعَ
[ ص: 326 ] مَنَازِلِ
هَارُونَ مِنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلِاسْتِثْنَاءِ ]
[4] ، وَمِنْ جُمْلَةِ
[5] مَنَازِلِ
هَارُونَ أَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً
لِمُوسَى ، وَلَوْ عَاشَ بَعْدَهُ لَكَانَ خَلِيفَةً أَيْضًا ، وَإِلَّا ( لَزِمَ ) تَطَرُّقُ النَّقْضِ إِلَيْهِ
[6] ، وَلِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ
[7] مَعَ وُجُودِهِ ، وَغَيْبَتِهِ مُدَّةً يَسِيرَةً فَبَعْدَ مَوْتِهِ وَطُولِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ
[8] أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ "
[9] .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ثَبَتَ
[10] فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَا رَيْبٍ وَغَيْرَهُمَا ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ
[11] ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ [12] ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا سَافَرَ فِي غَزْوَةٍ ، أَوْ عُمْرَةٍ ، أَوْ حَجٍّ يَسْتَخْلِفُ عَلَى
الْمَدِينَةِ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى
الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ ذِي . . . أَمَّرَ
[13] عُثْمَانَ
[14] ، وَفِي غَزْوَةِ
بَنِي قَيْنُقَاعَ [ ص: 327 ] بَشِيرَ بْنَ ( عَبْدِ ) الْمُنْذِرِ [15] ، وَلَمَّا غَزَا
قُرَيْشًا ، وَوَصَلَ
[16] إِلَى الْفَرَعِ اسْتَعْمَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=100ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ [17] ، وَذَكَرَ ذَلِكَ
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [18] وَغَيْرِهِ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنَ
الْمَدِينَةِ حَتَّى يَسْتَخْلِفَ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ كَانَ يَسْتَخْلِفُهُ ، فَقَدْ سَافَرَ مِنَ
الْمَدِينَةِ فِي عُمْرَتَيْنِ : عُمْرَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَفِي مَغَازِيهِ - أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ غَزَاةً - وَفِيهَا كُلِّهَا اسْتَخْلَفَ
[19] ، وَكَانَ يَكُونُ
بِالْمَدِينَةِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ لَمْ يَأْذَنْ لِأَحَدٍ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا ، وَهِيَ آخِرُ مَغَازِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ
[ ص: 328 ] مَعَهُ أَحَدٌ كَمَا اجْتَمَعَ مَعَهُ فِيهَا فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ إِلَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ ، أَوْ مَنْ هُوَ مَعْذُورٌ لِعَجْزِهِ عَنِ الْخُرُوجِ ، أَوْ مَنْ هُوَ مُنَافِقٌ ، وَتَخَلَّفَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ
[20] يَكُنْ فِي
الْمَدِينَةِ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ كَمَا كَانَ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ، بَلْ كَانَ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ أَضْعَفَ مِنَ
[21] اَلِاسْتِخْلَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي
الْمَدِينَةِ رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوِيَاءُ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ أَحَدًا كَمَا كَانَ يَبْقَى فِي جَمِيعِ مَغَازِيهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ
بِالْمَدِينَةِ رِجَالٌ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَقْوِيَاءُ يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَسْتَخْلِفُ ، فَكُلُّ اسْتِخْلَافٍ اسْتَخْلَفَهُ
[22] فِي مَغَازِيهِ مِثْلَ اسْتِخْلَافِهِ فِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ الْكُبْرَى ، وَالصُّغْرَى ، وَغَزْوَةِ
بَنِي الْمُصْطَلَقِ ،
وَالْغَابَةِ ،
وَخَيْبَرَ ، وَفَتْحِ
مَكَّةَ ، وَسَائِرِ مَغَازِيهِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ ، وَمَغَازِيهِ بِضْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ فِيهَا كُلِّهَا إِلَّا الْقَلِيلَ ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَعُمْرَتَيْنِ قَبْلَ غَزْوَةِ
تَبُوكَ .
وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ يَكُونُ
بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ فَكَانَ كُلُّ اسْتِخْلَافٍ قَبْلَ هَذِهِ يَكُونُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ أَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا ، فَلِهَذَا خَرَجَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْكِي ، وَقَالَ : أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ؟
وَقِيلَ : إِنَّ بَعْضَ الْمُنَافِقِينَ طَعَنَ فِيهِ ، وَقَالَ : إِنَّمَا خَلَّفَهُ ; لِأَنَّهُ يُبْغِضُهُ ، فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنِّي إِنَّمَا اسْتَخْلَفْتُكَ لِأَمَانَتِكَ عِنْدِي [ ص: 329 ] وَإِنَّ الِاسْتِخْلَافَ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَلَا غَضٍّ ، فَإِنَّ مُوسَى اسْتَخْلَفَ هَارُونَ عَلَى قَوْمِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ نَقْصًا [23] ، وَمُوسَى لَيَفْعَلُهُ [24] بِهَارُونَ ؟ فَطَيَّبَ بِذَلِكَ قَلْبَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، وَبَيَّنَ أَنَّ جِنْسَ الِاسْتِخْلَافِ يَقْتَضِي كَرَامَةَ الْمُسْتَخْلَفِ وَأَمَانَتَهُ ، لَا يَقْتَضِي إِهَانَتَهُ وَلَا تَخْوِينَهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يَغِيبُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَهُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ .
وَالْمُلُوكُ - وَغَيْرُهُمْ - إِذَا خَرَجُوا فِي مَغَازِيهِمْ أَخَذُوا مَعَهُمْ مَنْ يَعْظُمُ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ ، وَمُعَاوَنَتُهُ لَهُمْ
[25] ، وَيَحْتَاجُونَ إِلَى مُشَاوَرَتِهِ ، وَالِانْتِفَاعِ بِرَأْيِهِ ، وَلِسَانِهِ ، وَيَدِهِ ، وَسَيْفِهِ .
وَالْمُتَخَلِّفُ
[26] إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي
الْمَدِينَةِ سِيَاسَةٌ كَثِيرَةٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا كُلِّهِ ، فَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ هَذَا غَضَاضَةٌ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، وَنَقْصٌ مِنْهُ ، وَخَفْضٌ مِنْ مَنْزِلَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى سَعْيٍ ، وَاجْتِهَادٍ ، بَلْ تَرَكَهُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرِ
[27] سَعْيٍ وَاجْتِهَادٍ فَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَيِّنًا أَنَّ جِنْسَ الِاسْتِخْلَافِ لَيْسَ نَقْصًا وَلَا غَضًّا ; إِذْ لَوْ كَانَ نَقْصًا أَوْ غَضًّا لَمَا فَعَلَهُ
مُوسَى بِهَارُونَ ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْتِخْلَافُ كَاسْتِخْلَافِ
هَارُونَ ; لِأَنَّ الْعَسْكَرَ كَانَ مَعَ
هَارُونَ ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ
مُوسَى وَحْدَهُ .
وَأَمَّا اسْتِخْلَافُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمِيعُ الْعَسْكَرِ كَانَ مَعَهُ
[ ص: 330 ] وَلَمْ يُخَلَّفْ
[28] بِالْمَدِينَةِ - غَيْرُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ - إِلَّا مَعْذُورٌ أَوْ عَاصٍ .
وَقَوْلُ
[29] الْقَائِلِ : " هَذَا بِمَنْزِلَةِ هَذَا ، وَهَذَا مِثْلُ هَذَا " هُوَ كَتَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ ، وَتَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ لَا يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَلَا تَرَى إِلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْأُسَارَى لَمَّا اسْتَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ ، وَأَشَارَ بِالْفِدَاءِ ، وَاسْتَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ فَأَشَارَ بِالْقَتْلِ . قَالَ : " سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ صَاحِبَيْكُمْ
[30] .
nindex.php?page=hadith&LINKID=684297مَثَلُكَ يَا nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: ( nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 36 ) ، وَمَثَلُ عِيسَى إِذْ قَالَ: ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=118إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 118 ) ، وَمَثَلُكَ يَا nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ إِذْ قَالَ: ( nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) ( سُورَةُ نُوحٍ : 26 ) ، وَمَثَلُ [31] مُوسَى إِذْ قَالَ: ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=88رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) ( سُورَةُ يُونُسَ : 88 )
[32] .
فَقَوْلُهُ لِهَذَا : مَثَلُكَ كَمَثَلِ
[33] إِبْرَاهِيمَ ،
وَعِيسَى ، وَلِهَذَا : مِثْلُ
نُوحٍ ،
وَمُوسَى - أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661426أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ; فَإِنَّ
نُوحًا ،
وَإِبْرَاهِيمَ ،
وَمُوسَى ،
وَعِيسَى أَعْظَمُ مِنْ
هَارُونَ ، وَقَدْ جَعَلَ هَذَيْنِ مِثْلَهَمْ ، وَلَمْ
[ ص: 331 ] يُرِدْ أَنَّهُمَا مِثْلُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَكِنْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ مِنَ الشِّدَّةِ فِي اللَّهِ ، وَاللِّينِ فِي اللَّهِ .
وَكَذَلِكَ هُنَا إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ
هَارُونَ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ ، وَهُوَ اسْتِخْلَافُهُ فِي مَغِيبِهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ
مُوسَى هَارُونَ ، وَهَذَا الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، بَلْ وَلَا هُوَ مِثْلُ اسْتِخْلَافَاتِهِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهَا ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْغَزَوَاتِ ، وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الِاسْتِخْلَافَاتُ تُوجِبُ تَقْدِيمَ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ إِذَا قَعَدَ مَعَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوجِبًا لِتَفْضِيلِهِ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ؟
بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى
الْمَدِينَةِ غَيْرَ وَاحِدٍ ، وَأُولَئِكَ الْمُسْتَخْلَفُونَ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ
هَارُونَ مِنْ
مُوسَى مِنْ جِنْسِ اسْتِخْلَافِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ يَكُونُ عَلَى أَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِ عَامَ
تَبُوكَ ، وَكَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الِاسْتِخْلَافِ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنَ الْأَعْدَاءِ عَلَى
الْمَدِينَةِ .
فَأَمَّا عَامُ
[34] تَبُوكَ فَإِنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَتِ الْعَرَبُ
بِالْحِجَازِ ، وَفُتِحَتْ
مَكَّةُ ، وَظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَعَزَّ ، وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَغْزُوَ أَهْلَ الْكِتَابِ
بِالشَّامِ ، وَلَمْ تَكُنِ الْمَدِينَةُ تَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يُقَاتِلُ بِهَا الْعَدُوَّ ، وَلِهَذَا لَمْ يَدَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ أَحَدًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَمَا كَانَ يَدَعُ بِهَا فِي سَائِرِ الْغَزَوَاتِ ، بَلْ أَخَذَ الْمُقَاتِلَةَ كُلَّهُمْ مَعَهُ .
وَتَخْصِيصُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ بِالذِّكْرِ هُنَا هُوَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ ، وَهُوَ نَوْعَانِ : لَقَبٌ هُوَ جِنْسٌ ، وَلَقَبٌ يَجْرِي مَجْرَى الْعِلْمِ ، مِثْلَ زَيْدٍ ، وَأَنْتَ ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ
[ ص: 332 ] أَضْعَفُ الْمَفَاهِيمِ ، وَلِهَذَا كَانَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فَإِذَا قَالَ :
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا نَفْيًا لِلرِّسَالَةِ عَنْ غَيْرِهِ ، لَكِنْ إِذَا كَانَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ .
كَقَوْلِهِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) ( سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ : 79 ) ، وَقَوْلُهُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) ( سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ : 15 ) .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْصِيصُ لِسَبَبٍ يَقْتَضِيهِ ، فَلَا يُحْتَجَّ بِهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ فَهَذَا
[35] مِنْ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَيْهِ يَبْكِي ، وَيَشْتَكِي
[36] تَخْلِيفَهُ مَعَ النِّسَاءِ ، وَالصِّبْيَانِ .
وَمَنِ اسْتَخْلَفَهُ سِوَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، لَمَّا لَمْ يَتَوَهَّمُوا أَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ نَقْصًا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ ، وَالتَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ إِذَا كَانَ لِسَبَبٍ يَقْتَضِي ذَاكَ لَمْ يَقْتَضِ الِاخْتِصَاصَ بِالْحُكْمِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31309_31295فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لِلْمَضْرُوبِ الَّذِي نَهَى عَنْ لَعْنِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=849318دَعْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ "
[37] ، لَمْ يَكُنْ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، بَلْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِيَنْهَى بِذَلِكَ عَنْ لَعْنِهِ .
وَلَمَّا
nindex.php?page=hadith&LINKID=654511اسْتَأْذَنَهُ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَتْلِ nindex.php?page=showalam&ids=195حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ قَالَ : " دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا "
[38] ، وَلَمْ يَدُلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَشْهَدْ
بَدْرًا ، بَلْ ذَكَرَ الْمُقْتَضِي لِمَغْفِرَةِ ذَنْبِهِ .
[ ص: 333 ] وَكَذَلِكَ لَمَّا شَهِدَ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَكِنْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ .
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=35لِلْحَسَنِ وَأُسَامَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=942475اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا "
[39] ، لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُحِبُّ غَيْرَهُمَا ، بَلْ كَانَ يُحِبُّ غَيْرَهُمَا أَعْظَمَ مِنْ مَحَبَّتِهِمَا .
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=666165لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ "
[40] لَمْ يَقْتَضِ أَنَّ مَنْ سِوَاهُمْ يَدْخُلُهَا .
وَكَذَلِكَ لَمَّا شَبَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى * ، لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ أَنْ
[41] يَكُونَ فِي أُمَّتِهِ وَأَصْحَابِهِ
[42] مَنْ يُشْبِهُ
إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى *
[43] ، وَكَذَلِكَ لَمَّا شَبَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بِنُوحٍ وَمُوسَى لَمْ يَمْتَنِعْ
[44] أَنْ يَكُونَ فِي أُمَّتِهِ مَنْ يُشْبِهُ
نُوحًا ،
وَمُوسَى .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ هَذَيْنِ أَفْضَلُ مَنْ يُشْبِهُهُمْ مِنْ أَمَّتِهِ .
قِيلَ : الِاخْتِصَاصُ بِالْكَمَالِ لَا يَمْنَعُ الْمُشَارَكَةَ
[45] فِي أَصْلِ التَّشْبِيهِ .
وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=943042إِنَّهُ مِثْلُ صَاحِبِ يَاسِينَ "
[46] .
[ ص: 334 ] ، وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ
لِلْأَشْعَرِيِّينَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=697695هُمْ مِنِّي ، وَأَنَا مِنْهُمْ "
[47] لَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِهِمْ ، بَلْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=889412أَنْتَ مِنِّي ، وَأَنَا مِنْكَ " ، وَقَالَ
لِزَيْدٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=681732أَنْتَ أَخُونَا ، وَمَوْلَانَا "
[48] وَذَلِكَ لَا يُخْتَصُّ
بِزَيْدٍ ، بَلْ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةُ أَخُوهُمْ وَمَوْلَاهُمْ .
وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمْثَالُ وَالتَّشْبِيهَاتُ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَهِيَ لَا تُوجِبُ
[49] التَّمَاثُلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، بَلْ فِيمَا سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ ، وَلَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْمُشَبَّهِ بِالتَّشْبِيهِ ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ لَهُ
[50] فِي ذَلِكَ .
قَالَ تَعَالَى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) ( سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 261 ) .
وَقَالَ تَعَالَى: (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=13وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ) ( سُورَةُ يس : 13 ) .
وَقَالَ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=117مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ) ( سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 117 ) .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ فِي الْقُرْآنِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَثَلًا .
وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إِنَّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ
هَارُونَ فِي كُلِّ الْأَشْيَاءِ إِلَّا فِي النُّبُوَّةِ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=682253أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ؟ "
[ ص: 335 ] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَرْضِيهِ بِذَلِكَ ، وَيُطَيِّبُ قَلْبَهُ لَمَّا تَوَهَّمَ مِنْ وَهَنِ الِاسْتِخْلَافِ ، وَنَقْصِ دَرَجَتِهِ فَقَالَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْجَبْرِ لَهُ .
وَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=682253بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، أَيْ مِثْلُ مَنْزِلَةِ
هَارُونَ ، فَإِنَّ
[51] نَفْسَ مَنْزِلَتِهِ مِنْ
مُوسَى بِعَيْنِهَا لَا تَكُونُ لِغَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ مَا يُشَابِهُهَا
[52] فَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ هَذَا مِثْلُ هَذَا ، وَقَوْلُهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ : مَثَلُهُ مَثَلُ
إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ : مَثَلُهُ مَثَلُ
نُوحٍ وَمُوسَى .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا
[53] كَانَ عَامَ
تَبُوكَ ، ثُمَّ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=663168nindex.php?page=treesubj&link=31295_31309_31139بَعَثَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ ، وَأَرْدَفَهُ nindex.php?page=showalam&ids=8بِعَلِيٍّ فَقَالَ [ nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ ] [54] : أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ ؟ [ فَقَالَ : ، بَلْ مَأْمُورٌ ] [55] فَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَيْهِ ، nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ مَعَهُ كَالْمَأْمُورِ مَعَ أَمِيرِهِ : يُصَلِّي خَلْفَهُ ، وَيُطِيعُ أَمْرَهُ [56] ، وَيُنَادِي خَلْفَهُ [57] مَعَ النَّاسِ بِالْمَوْسِمِ : أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ [58] .
[ ص: 336 ] وَإِنَّمَا أَرْدَفَهُ بِهِ لِيَنْبُذَ الْعَهْدَ إِلَى الْعَرَبِ ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنْ لَا يَعْقِدَ الْعُقُودَ وَيَنْبُذَهَا إِلَّا السَّيِّدُ الْمُطَاعُ أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ نَقْضَ الْعُهُودِ إِلَّا مِنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةً عَلَى أُمَّتِهِ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا خِطَابًا بَيْنَهُمَا يُنَاجِيهِ بِهِ ، وَلَا كَانَ أَخَّرَهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ وَيَشْتَكِيَ ، بَلْ كَانَ هَذَا مِنَ الْحُكْمِ الَّذِي يَجِبُ بَيَانُهُ ، وَتَبْلِيغُهُ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ بِلَفْظٍ يُبَيِّنُ الْمَقْصُودَ .
، ثُمَّ مِنْ جَهْلِ
الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَاطِبْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا بِهَذَا الْخِطَابِ إِلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، فَلَوْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ الْمُسْتَخْلَفُ مِنْ بَعْدِهِ - كَمَا رَوَوْا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ - لَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ أَنَّهُ مِثْلُ
هَارُونَ بَعْدَهُ وَفِي حَيَاتِهِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ يَبْكِي
[59] ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ : أَتُخَلِّفُنِي مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ؟
وَلَوْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ بِمَنْزِلَةِ
هَارُونَ مُطْلَقًا لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلَيْهِ أَحَدًا ، وَقَدْ كَانَ
[ ص: 337 ] يَسْتَخْلِفُ عَلَى
الْمَدِينَةِ غَيْرَهُ وَهُوَ فِيهَا ، كَمَا اسْتَخْلَفَ عَلَى
الْمَدِينَةِ عَامَ
خَيْبَرَ غَيْرَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ بِهَا أَرْمَدَ حَتَّى لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ حِينَ قَدِمَ ، وَكَانَ قَدْ أَعْطَى الرَّايَةَ رَجُلًا فَقَالَ
[60] : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652787لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ "
[61] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ
[62] مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ مُدَّةً يَسِيرَةً ، فَبَعْدَ
[63] مَوْتِهِ وَطُولِ مُدَّةِ الْغَيْبَةِ
[64] أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ خَلِيفَتَهُ
[65] .
فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَعَ وُجُودِهِ وَغَيْبَتِهِ قَدِ اسْتَخْلَفَ غَيْرَ عَلِيٍّ اسْتِخْلَافًا أَعْظَمَ مِنِ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ ، وَاسْتَخْلَفَ
[66] أُولَئِكَ عَلَى أَفْضَلَ مِنَ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ
تَبُوكَ عَلَى
الْمَدِينَةِ غَيْرَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَلَيْسَ جَعْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ هُوَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى
الْمَدِينَةِ بِأَوْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَخْلَفَهُمْ عَلَى
الْمَدِينَةِ كَمَا اسْتَخْلَفَهُ ، وَأَعْظَمَ مِمَّا اسْتَخْلَفَهُ ، وَآخِرُ الِاسْتِخْلَافِ كَانَ عَلَى
الْمَدِينَةِ كَانَ
[67] عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَكَانَ
[68] nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ بِالْيَمَنِ ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْمَوْسِمَ لَكِنِ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ غَيْرَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ .
[ ص: 338 ] فَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الِاسْتِخْلَافِ ، فَبَقَاءُ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ
[69] فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ اسْتِخْلَافِ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِخْلَافَاتُ عَلَى
الْمَدِينَةِ لَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِهِ ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ ، وَلَا عَلَى الْإِمَامَةِ ، بَلْ قَدِ اسْتَخْلَفَ عَدَدًا غَيْرَهُ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ جُهَّالٌ يَجْعَلُونَ الْفَضَائِلَ الْعَامَّةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ خَاصَّةً
nindex.php?page=showalam&ids=8بِعَلِيٍّ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْمَلَ مِنْهُ فِيهَا كَمَا فَعَلُوا فِي النُّصُوصِ وَالْوَقَائِعِ .
وَهَكَذَا فَعَلَتِ
النَّصَارَى جَعَلُوا مَا أَتَى بِهِ الْمَسِيحُ مِنَ الْآيَاتِ دَالًّا عَلَى شَيْءٍ يَخْتَصُّ بِهِ
[70] مِنَ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ ، وَقَدْ شَارَكَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا أَتَى بِهِ ، وَكَانَ مَا أَتَى بِهِ
مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ أَعْظَمَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمَسِيحُ فَلَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمَسِيحِ دُونَ
إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى لَا بِحُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ
[71] ، بَلْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُمْتَنِعًا ، فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ كُلُّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْجَمِيعِ ، وَإِنْ فُسِّرَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ مُمْكِنٍ ، كَحُصُولِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ ، وَالْأَنْوَارِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ وَأَمْرٌ
[72] مُمْكِنٌ .
وَهَكَذَا الْأَمْرُ مَعَ
الشِّيعَةِ : يَجْعَلُونَ الْأُمُورَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ ، الَّتِي تَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ ، مُخْتَصَّةً بِهِ حَتَّى رَتَّبُوا
[73] عَلَيْهِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الْعِصْمَةِ ، وَالْإِمَامَةِ ، وَالْأَفْضَلِيَّةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ مُنْتَفٍ
[ ص: 339 ] فَمَنْ عَرَفَ سِيرَةَ الرَّسُولِ ، وَأَحْوَالَ الصَّحَابَةِ ، وَمَعَانِيَ الْقُرْآنِ ، وَالْحَدِيثِ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ اخْتِصَاصٌ بِمَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ ، وَلَا إِمَامَتَهُ ، بَلْ فَضَائِلُهُ مُشْتَرَكَةٌ ، وَفِيهَا مِنَ الْفَائِدَةِ إِثْبَاتُ إِيمَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، وَوِلَايَتِهِ ، وَالرَّدُّ عَلَى
النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يَسُبُّونَهُ ، أَوْ يُفَسِّقُونَهُ ، أَوْ يُكَفِّرُونَهُ
[74] ، وَيَقُولُونَ فِيهِ مِنْ جِنْسِ مَا تَقُولُهُ
الرَّافِضَةُ فِي الثَّلَاثَةِ .
فَفِي فَضَائِلِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ الثَّابِتَةِ رَدٌّ عَلَى
النَّوَاصِبِ ، كَمَا أَنَّ فِي فَضَائِلِ الثَّلَاثَةِ رَدًّا عَلَى
الرَّوَافِضِ .
nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَقْدَحُ فِيهِ
الرَّوَافِضُ ،
وَالْخَوَارِجُ ، وَلَكِنَّ شِيعَتَهُ يَعْتَقِدُونَ إِمَامَتَهُ ، وَيَقْدَحُونَ
[75] فِي إِمَامَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، وَهُمْ فِي بِدْعَتِهِمْ خَيْرٌ مِنْ شِيعَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ الَّذِينَ يَقْدَحُونَ فِي غَيْرِهِ ،
وَالزَّيْدِيَّةُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ مُضْطَرِبُونَ فِيهِ .
وَأَيْضًا فَالِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ نَوْعُ نِيَابَةٍ ، لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ وَلِيِّ أَمْرٍ ، وَلَيْسَ كُلُّ ( مَنْ )
[76] يَصْلُحُ لِلِاسْتِخْلَافِ فِي الْحَيَاةِ عَلَى بَعْضِ الْأُمَّةِ يَصْلُحُ أَنْ يُسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَخْلَفَ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَذَلِكَ
كَبَشِيرِ بْنِ ( عَبْدِ ) الْمُنْذِرِ [77] ، وَغَيْرِهِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُطَالَبٌ فِي حَيَاتِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّاسِ
[ ص: 340 ] كَمَا يُطَالَبُ بِذَلِكَ وُلَاةُ الْأُمُورِ ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ ، وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ ، فَفِي حَيَاتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ جِهَادُ الْأَعْدَاءِ ، وَقَسْمُ الْفَيْءِ ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ ، وَاسْتِعْمَالُ الْعُمَّالِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ بَعْدَهُ ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
فَلَيْسَ الِاسْتِخْلَافُ فِي الْحَيَاةِ كَالِاسْتِخْلَافِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْإِنْسَانُ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدًا فِي حَيَاتِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الْبَرِّ كَانَ * الْمُسْتَخْلَفُ وَكِيلًا مَحْضًا
[78] يَفْعَلُ مَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكَّلُ ، وَإِنِ اسْتَخْلَفَ أَحَدًا عَلَى أَوْلَادِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، كَانَ *
[79] وَلِيًّا مُسْتَقِلًّا يَعْمَلُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
[80] ، وَلَمْ يَكُنْ * وَكِيلًا لِلْمَيِّتِ .
وَهَكَذَا أُولُو الْأَمْرِ إِذَا اسْتَخْلَفَ أَحَدُهُمْ شَخْصًا فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ فِي الْقَضَايَا الْمُعَيَّنَةِ ، وَأَمَّا إِذَا اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَتِهِ ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَإِنَّ *
[81] هَذَا التَّصَرُّفَ مُضَافٌ إِلَيْهِ لَا إِلَى الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ فِي الْحَيَاةِ بِأَمْرِ مُسْتَخْلِفِهِ فَإِنَّهُ يُضَافُ إِلَى مَنِ اسْتَخْلَفَهُ لَا إِلَيْهِ فَأَيْنَ
[82] هَذَا مِنْ هَذَا ! ؟
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31309_29668وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ : إِنَّ مَنِ اسْتَخْلَفَ شَخَّصَا عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ ، وَانْقَضَى ذَلِكَ الِاسْتِخْلَافُ : إِنَّهُ يَكُونُ خَلِيفَةً بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى
[ ص: 341 ] شَيْءٍ ، وَلَكِنَّ
الرَّافِضَةَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِالْمَعْقُولِ ، وَالْمَنْقُولِ
[83] .