الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : قال بعض أهل العلم : أهل البدع خمسة - يعني : من جهة أصولها ، ثم كل ( فرقة ) تتشعب وتتفرق فرقا شتى :

أحدها : المعتزلة القائلون بأن العباد خالقو أعمالهم ، وينفون رؤية الله - تعالى - في الآخرة ، ويقولون بوجوب الثواب والعقاب ، والصلاح والأصلح على الله ، ومن أصول المعتزلة القول بالعدل وثبوت المنزلة بين المنزلتين والتوحيد ، يعني نفي الصفات كما تقدم ، وهم عشرون فرقة ، يضلل بعضهم بعضا .

[ ص: 77 ] ( أحدها ) : الواصلية أتباع واصل بن عطاء ، قالوا بجميع ما ذكر ، وخطئوا أحد الفريقين من عثمان - رضي الله عنه - ومقاتليه ، وجوزوا أن يكون سيدنا عثمان - رضي الله عنه - بين الكفر والإيمان ، وخلدوه في النار ، وكذا علي ومقاتلوه ، وحكموا بأن طلحة والزبير وعليا - رضي الله عنهم - بعد وقعة الجمل لو شهدوا على حبة ، لم تقبل شهادتهم كالمتلاعنين .

( الثانية ) : العمرية مثلهم إلا أنهم فسقوا كلا الفريقين .

( الثالثة ) : الهذلية أصحاب أبي الهذيل العلاف ، قالوا بفناء مقدورات الله من الجنة والنار ، وإن العباد مجبورون في الآخرة ، ولهذا تسمي المعتزلة أبا الهذيل جهمي الآخرة ، وإن الله عالم بعلم ، وقادر بقدرة ، كلاهما عين ذاته ، مريد بإرادة ، لا في ذات ، متكلم بكلمة ( كن ) لا في ذات ، وهو يوافق قول جهم في بعض الوجوه ، وإن كان المعتزلة كلهم جهمية .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : أول من حفظ عنه أنه قال مقالة التعطيل للصفات في الإسلام الجعد بن درهم الذي ضحى به خالد القسري ، وأخذها عنه الجهم بن صفوان ، وأظهرها فنسبت إليه ، وقد قيل : إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان ، وأخذها أبان من طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم ، وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر ، الذي سحر النبي - صلى الله عليه وسلم ، وكان الجعد هذا فيما قيل من أهل حران ، وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة ، بقايا أهل دين النمرود الكنعانيين ، والنمرود هو ملك الصابئة المشركين ، اسم جنس ككسرى لملك الفرس وقيصر ملك الروم ، وكان الصابئون هؤلاء يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل ، فمذهب النفاة من هؤلاء يقولون في الرب - تعالى - ليس له إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة منهما ، وأخذها الجهم أيضا فيما ذكره الإمام أحمد - رضي الله عنه - عن السمنية وبعض فلاسفة الهند ، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات ، قال شيخ الإسلام : فهذه أسانيد الجهم ترجع إلى اليهود والنصارى ، والصابئين والمشركين ، والفلاسفة الضالين إما من الصابئين ، وإما من المشركين .

( الرابعة ) : النظامية أصحاب إبراهيم بن سيار النظام ، قالوا : إن الله [ ص: 78 ] لا يقدر أن يفعل بعباده في الدنيا ما لا صلاح لهم فيه ، ولا أن يزيد وينقص من عقاب وثواب ، وكونه مريدا لفعله كونه خالقه ، ولفعل العبد كونه أمر به ، والإنسان هو الروح والبدن ، والأعراض والأجسام لا تبقى ، والجسم مؤلف من الأعراض ، والعلم والجهل المركب مثلان ، والإيمان والكفر كذلك ، وإن الله خلق الخلق دفعة والتقدم والتأخر في الكون والظهور ، ونظم القرآن ليس بمعجز ، والتواتر يحتمل الكذب ، والإجماع والقياس ليس بحجة ، وأوجبوا النص على الإمام وثبوته لعلي لكن كتمه عمر .

( الخامسة ) : الأسوارية وهم أصحاب الأسواري ، زادوا على من قبلهم أن الله لا يقدر على ما أخبر بعدمه أو علم عدمه ، ( والإنسان قادر على ما أخبر بعدمه أو علمه ) .

( السادسة ) : الإسكافية أصحاب أبي جابر الإسكاف ، قالوا : إن الله لا يقدر على الظلم على العقلاء ، لكن على الصبيان والمجانين .

( السابعة ) : الجعفرية أصحاب جعفر بن مبشر وابن حرب ، زادوا : إن في فساق الأمة من هو شر من الزنادقة والمجوس ، والإجماع على حد الشرب خطأ ، وسارق الحبة منخلع عن الإيمان .

( الثامنة ) : البشرية أصحاب بشر بن المعتمر ، قالوا : الأعراض من الطعوم والروائح وغيرها تقع متولدة ، والقدرة بسلامة البنية ، والله قادر على تعذيب الطفل ظالما .

( التاسعة ) : المردارية وهم أصحاب أبي موسى عيسى بن صبيح المردار تلميذ بشر ، قالوا : إن الله قادر على الكذب والظلم ، ووقوع فعل بين فاعلين تولدا ، والناس قادرون على مثل القرآن وأحسن منه ، ويكفرون القائل بخلق الأعمال والرؤية .

( العاشرة ) : الهشامية أصحاب هشام بن عمر ، قالوا : لا يطلق اسم الوكيل على الله - تعالى - لاستدعائه موكلا ، ولا دلالة في القرآن على الحلال والحرام ، والإمامة لا تنعقد مع الاختلاف ، والجنة والنار لم تخلقا بعد ، ولم يقتل [ ص: 79 ] عثمان ، ومن أفسد صلاة عقدها بشروطها ، فأول صلاته معصية .

( الحادية عشرة ) : الصالحية وهم أصحاب الصالح ، جوزوا قيام السمع والبصر ، والعلم والقدرة بالميت ، وخلو الجواهر عن الأعراض .

( الثانية عشرة ) : الحائطية أصحاب أحمد بن حائط من أصحاب البطال ، قالوا : للعالم إلهان : قديم ، ومحدث ، والمسيح هو الذي يحاسب الناس في الآخرة .

( الثالثة عشرة ) : الحدبية أصحاب فضل الحدبي ، زادوا التناسخ ، وأن كل حيوان مكلف ، بل قيل في كل نوع من الحيوان نبي من جنسه .

( الرابعة عشرة ) : المعمرية أصحاب معمر بن عباد السلمي ، قالوا : إن الله لا يخلق شيئا غير الأجسام ، ولا يوصف بالقدم ، ولا يعلم نفسه ، والإنسان لا فعل له غير الإرادة .

( الخامسة عشرة ) : الثمامية أصحاب ثمامة بن أشرس النميري ، قالوا : الأفعال المتولدة لا فاعل لها ، والمعرفة متولدة من النظر ، وأنها واجبة قبل الشرع ، واليهود والنصارى والمجوس والزنادقة يصيرون ترابا ، لا يدخلون جنة ولا نارا ، وكذا البهائم والأطفال ، والاستطاعة سلامة الآلة ، ومن لا يعلم خالقه من الكفار معذور ، ولا فعل للإنسان غير الإرادة ، وما عداها حادث بلا محدث ، والعالم فعل الله بطبعه .

( السادسة عشرة ) : الخياطية أصحاب أبي الحسن بن أبي عمر الخياط ، قالوا بالقدرة وتسمية المعدوم شيئا وجوهرا وعرضا ، وقالوا عن إرادة الله كونه غير مكره ولا كاره ، وهي في فعله الخلق ، وفي فعل العباد الأمر ، والسمع والبصر العلم بمتعلقهما .

( السابعة عشرة ) : الجاحظية أتباع عمرو الجاحظ أبي عثمان بن بحر البصري المتكلم صاحب التآليف في كل فن ، وكان تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن سيار البلخي المتكلم الذي تقدم ذكره ، قالوا : المعارف كلها ضرورية ، ولا إرادة في الشاهد ، والأجسام ذوات طبائع ، ويمتنع انعدام الجواهر ، والنار تجتذب إليها أهلها ، لا أن الله يدخلهم فيها ، والخير والشر [ ص: 80 ] من فعل العبد ، والقرآن جسد ينقلب تارة رجلا وتارة امرأة .

( الثامنة عشرة ) : الكعبية أصحاب أبي القاسم عبد الله الكعبي ، قالوا : فعل الرب واقع بغير إرادته ، ولا يرى نفسه ولا غيره إلا بمعنى العلم .

( التاسعة عشرة ) : الجبائية وهم شيعة أبي علي الجبائي ، قالوا : إرادة الله حادثة لا في محل ، والعالم يفنى فناء لا في محل ، والله متكلم بكلام يخلقه في جسم ، ولا يرى في الآخرة ، والعبد خالق فعله ، ومرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر ، وإذا مات بلا توبة يخلد في النار ، ولا كرامة للأولياء ، ويجب على الله إكمال عقل المكلف ، وإعداد أسباب التكليف له من بعث الرسل والمعجزة على يده . وشاركه ابن له - يعني أبا علي - وهو أبو هاشم ، وانفرد أبو علي بأن الله عالم بلا صفة ، وسمعه وبصره كونه حيا بلا آفة .

( العشرون ) : الهاشمية فرقة أبي هاشم ، قالوا : لا توبة عن كبيرة مع الإصرار على غيرها إذا كان عالما بقبحها ، ولا مع عدم القدرة عليها ، ولا يتعلق علم بمعلومين على التفصيل ، وأثبت لله خمس حالات : الحيية ، والعالمية ، والقادرية ، والموجودية ، والإلهية موجبة للأربعة ، فهذه العشرون فرقة المشهورة من فرق أهل الاعتزال ، وكلها متصفة بالبدع والضلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية