( ( فإنها ثابتة للمصطفى كغيره من كل أسباب الوفا ) )
( ( من عالم كالرسل والأبرار سوى التي خصت بذي الأنوار ) )
( ( فإنها ) ) أي الشفاعة العظمى وغيرها من سائر الشفاعات الآتي ذكرها ( ثابتة ) بالنقل الصحيح بل المتواتر ( لـ ) النبي ( ( المصطفى ) ) محمد - صلى الله عليه وسلم - ( ( كـ ) ) ما أنها ثابتة لـ ( ( غيره ) ) أي غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ( ( من كل أرباب ) ) أي أصحاب ( ( الوفا ) ) بامتثال الأوامر ، والانتهاء عن الزواجر .
ثم أخذ في بيان ما أجمل من أرباب الوفا بقوله : ( ( من عالم ) ) عامل بعلمه معلم لغيره ، وهم الربانيون ، وهؤلاء ورثة الأنبياء ، فهؤلاء كما نفعوا الناس في الدنيا بالدلالة والتعليم ، كذلك ينفعونهم بالشفاعة عند المولى الجواد الكريم ، فيقبل شفاعاتهم ، ويعلي درجاتهم ( ( كالرسل ) ) [ ص: 209 ] جمع رسول ، وهو من أوحي إليه بشرع من بني آدم وأمر بتبليغه وكذا الأنبياء ، وهم - يعني الرسل والأنبياء - خواص الخلق من بني آدم ( ( والأبرار ) ) جمع بار ، وهم الأتقياء الأخيار .
والحاصل أنه يجب أن يعتقد أن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - من سائر الرسل والأنبياء والملائكة والصحابة والشهداء والصديقين والأولياء على اختلاف مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم يشفعون ، وبقدر جاههم ووجاهتهم يشفعون لثبوت الأخبار بذلك ، وترادف الآثار على ذلك ، وهو أمر جائز غير مستحيل ، فيجب تصديقه والقول بموجبه لثبوت الدليل ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم :
( ( ) ) روى هذا اللفظ أنا أول شافع ، وأول مشفع - رضي الله عنه - رواه أبو هريرة مسلم ، - رضي الله عنهما - أخرجه وجابر بن عبد الله البيهقي ، - رضي الله عنه - أخرجه وعبد الله بن سلام البيهقي أيضا .
وأما حديث - رضي الله عنه - عند ابن مسعود البيهقي قال :
يشفع نبيكم رابع أربعة جبريل ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم نبيكم ، لا يشفع أحد في أكثر مما يشفع فيه نبيكم ، ثم الملائكة ، ثم النبيون ، ثم الصديقون ، ثم الشهداء .
قال : كذا قال البخاري أبو الزعراء : عن ، ولا يتابع عليه ، والمشهور أنه - صلى الله عليه وسلم - أول شافع ، وكذا قال غير ابن مسعود من أئمة الحفاظ ، والله أعلم . البخاري
وأخرج ، ابن ماجه والبيهقي عن - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : عثمان بن عفان
" وأخرجه يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء البزار ، وفي آخره " ثم المؤذنون " .
وأخرج في الكبير ، الطبراني والبيهقي عن - رضي الله عنه - قال : ابن مسعود
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " - برحمة الله ، وشفاعة الشافعين ليدخلن الجنة قوم من المسلمين قد عذبوا في النار " ، وأخرجه ، الإمام أحمد والبيهقي من حديث حذيفة ونحوه ، وأخرج في الأوسط عن الطبراني أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " آدم يوم القيامة من جميع ذريته في مائة ألف ألف ، وعشرة آلاف ألف " ، وأخرج يشفع الله ، ابن أبي عاصم والأصفهاني عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالعالم والعابد ، فيقال للعابد : ادخل الجنة ، ويقال للعالم : قف حتى تشفع للناس " .
[ ص: 210 ] وأخرج البيهقي من حديث جابر مثله ، وزاد في آخره " بما أحسنت أدبهم " .
وأخرج الديلمي من حديث - رضي الله عنهما - مرفوعا " ابن عمر يقال للعالم : اشفع في تلامذتك ، ولو بلغ عددهم نجوم السماء " .
وأخرج أبو داود ، عن وابن حبان : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أبي الدرداء
" " وأخرج الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته ، الإمام أحمد مثله من حديث والطبراني مقدام بن معدي كرب .
وأخرج البزار ، والبيهقي بسند صحيح عن أنس - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يوم القيامة إن الرجل ليشفع في الرجل والرجلين والثلاثة " .
وأخرج الترمذي والحاكم وصححاه ، والبيهقي عن عبد الله بن أبي الجدعاء ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بني تميم " ، قالوا : سواك يا رسول الله ؟ قال : سواي " قال " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من : يقال : إنه الفريابي - رضي الله عنه . عثمان بن عفان
وأخرج البيهقي عن الحسن مرفوعا " " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر والحاكم وصححه ، والبيهقي عن مرفوعا " الحارث بن قيس " . إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من مضر ، وإن من أمتي من سيعظم للنار حتى يكون أحد زواياها
وأخرج مثله من حديث الإمام أحمد أبي برزة . وهناد مثله من حديث . أبي هريرة
وأخرج الإمام أحمد ، والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ربيعة ومضر " . ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين
وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي عن - رضي الله عنه - قال : أبي سعيد الخدري
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " " . إن من أمتي لرجالا يشفع الرجل منهم في الفئام من الناس فيدخلون الجنة بشفاعته ، ويشفع الرجل منهم للقبيلة فيدخلون الجنة بشفاعته ، ويشفع الرجل منهم للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته
وأخرج عن الطبراني - رضي الله عنه - قال : ابن مسعود
لا تزال الشفاعة بالناس ، وهم يخرجون من النار حتى إن إبليس الأباليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه .
وأخرج البزار عن - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي موسى الأشعري
[ ص: 211 ] " الحاج يشفع في أربعة من أهل بيته " .
والحاصل أن للناس شفاعات بقدر أعمالهم ، وعلو مراتبهم وقربهم من الله تعالى ، والقرآن يشفع لأهله ، والحجر الأسود يشفع لمستلمه ، ولكن لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون .
( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) . وبالله التوفيق ( سوى ) الشفاعات ( التي خصت بذي ) أي بصاحب ( الأنوار ) نبينا المختار - صلى الله عليه وسلم - ما دارت الأدوار ، وتعاقب الليل والنهار ، فلا يشاركه فيها نبي مرسل ، ولا ملك مقرب ، ولا صديق ولا شهيد ؛ لأنها مختصة بجنابه الرفيع ، وقدره المجيد ، والشفاعات المختصة به - صلى الله عليه وسلم - عدة ، ( أولها ) :
وهي أعظمها وأعمها ، شفاعته - صلى الله عليه وسلم - لفصل القضاء بين الورى بعد التردد إلى الأنبياء ، وتدافعها بين أخيار الملأ إلى أن تصل لصاحب الحوض المورود ، وهى المقام المحمود ، وقد عم العالم زيادة القلق ، وتصاعد العرق ، وقاسوا من ذلك ما يذيب الأكباد ، وينسي الأولاد ، وهذه مجمع عليها لم ينكرها أحد . ( ثانيها ) :
يشفع عند ربه في إدخال قوم من أمته الجنة بغير حساب ، فإن هذه خاصة به أيضا - صلى الله عليه وسلم - كما قال القاضي عياض والإمام النووي ، وتردد ابن دقيق العيد في الاختصاص ، وتبعه الحافظ ابن حجر قال :
فإن الاختصاص إنما يثبت بالدليل ، ولا دليل عليه ، وقد روى حديث هذه الشفاعة مسلم في صحيحه ، وجزم بالاختصاص الحافظ السيوطي في أنموذج اللبيب . ( ثالثها ) :
شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في قوم استوجبوا النار بأعمالهم ، فيشفع فيهم فلا يدخلونها ، وهذه جزم القاضي وابن السبكي بعدم اختصاصها به - صلى الله عليه وسلم - وتردد النووي في ذلك . قال السبكي :
لأنه لم يرد نص صحيح بثبوت الاختصاص ولا بنفيه .
وجزم في الأنموذج بأنها من خصائصه - صلى الله عليه وسلم .
( رابعا ) في رفع درجات ناس في الجنة ، وهذه لا تنكرها المعتزلة كالأولى ، إلا أن النووي جوز اختصاصها به عليه الصلاة والسلام ، وجزم في كتاب الانتقاد له باختصاصها به .
قال في الأنموذج : جوز النووي اختصاص هذه والتي قبلها به ، ووردت الأحاديث في التي قبل ، وصرح به ، القاضي عياض وابن دحية . ( خامسها ) :
[ ص: 212 ] الشفاعة في إخراج عموم أمته من النار حتى لا يبقى منهم أحد ، ذكره السبكي ، وبالشفاعة في جماعة من صلحاء المسلمين ليتجاوز عنهم في تقصيرهم في الطاعات ، ذكره القزويني في العروة الوثقى .