الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الخامس )

ثبت في عدة أخبار عن النبي المختار - صلى الله عليه وسلم - ما كر الليل على النهار أن طائفة من هذه الأمة بلا ارتياب يدخلون الجنة بغير حساب فيدخلون جنات النعيم قبل وضع الموازين ، وأخذ الصحف بالشمال واليمين ، فقد أخرج الشيخان ، وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال :

" عرضت علي الأمم يمر النبي معه الرجل ، والنبي معه الرجلان ، والنبي ليس معه أحد ، والنبي معه الرهط ، فرأيت سوادا كثيرا فرجوت أن تكون أمتي ، فقيل لي : هذا موسى وقومه ، ثم قيل لي انظر ؛ فرأيت سوادا كثيرا قد سد الأفق ، فقيل هكذا وهكذا فرأيت سوادا كثيرا ، فقيل لي : هؤلاء أمتك ، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، فتفرق الناس ، ولم يبين لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتذاكر ذلك أصحابه فقالوا ما قالوا ، أما نحن في الشرك ، ولكن قد آمنا بالله ورسوله ، هؤلاء أبناؤنا .

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :

" هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " فقام عكاشة بن محصن :

فقال : أنا منهم ؟ وفي لفظ : ادع الله أن أكون منهم يا رسول الله ، قال :

نعم ، ثم قام آخر فقال : أنا منهم ؟ فقال : " سبقك بها عكاشة "
. قال الإمام المحقق ابن القيم في كتابه ( الداء والدواء ) قوله - صلى الله عليه وسلم : سبقك بها عكاشة ، لم يرد أن عكاشة وحده [ ص: 178 ] أحق بذلك ممن عداه من الصحابة ، ولكن لو دعا له لقام آخر وآخر ، وانفتح الباب ، وربما قام من لم يستحق أن يكون منهم فكان الإمساك أولى .

وأخرج الترمذي ، وحسنه عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال :

سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب ، مع كل ألف سبعون ألفا ، وثلاثة حثيات من حثيات ربي " . ويروى " حفنات " بالفتح ، وهو الغرف ملء اليدين ، وقيل الحثية باليد ، والحفنة باليدين .

وأخرج الإمام أحمد ، والطبراني عن أبي أيوب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ذات يوم إليهم فقال :

" إن ربي خيرني بين سبعين ألفا يدخلون الجنة عفوا بغير حساب ، وبين الخبيئة عنده لأمتي " فقال له بعض أصحابه : أيخبأ ذلك ربك ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وهو يكبر فقال : " إن ربي زادني مع كل ألف سبعين ألفا ، والخبيئة عنده " . فقيل :

يا أبا أيوب ، وما نظن خبيئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فأكله الناس بأفواههم فقالوا :

ما أنت وخبيئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال أبو أيوب دعوه أخبركم عن خبيئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، إن خبيئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول رب من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله مصدقا لسانه قلبه فأدخله الجنة
، الخبيئة بخاء معجمة فموحدة وهمزة بوزن خطيئة .

وأخرج البيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا : " سألت ربي فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر ، فاستزدته فزادني مع كل ألف سبعين ألفا فقلت : أي رب ، أرأيت إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي ؟ قال :

إذن أكملهم لك من الأعراب
" . وأخرج الطبراني ، والبيهقي عن عمرو بن حزم الأنصاري - رضي الله عنه - قال : تغيب عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة لا يخرج إلا لصلاة مكتوبة ثم يرجع فلما كان يوم الرابع ، خرج إلينا فقلنا :

يا رسول الله احتبست عنا حتى ظننا أنه قد حدث حدث ، قال :

" لم يحدث إلا خير ، إن ربي وعدني وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا لا حساب عليهم ، وإني سألت ربي في هذه الثلاثة أيام المزيد فوجدت ربي ماجدا كريما فأعطاني [ ص: 179 ] مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا ، قلت يا رب ، وتبلغ أمتي هذا ؟ قال أكمل لك العدد من الأعراب .

وأخرج الإمام أحمد ، وأبو يعلى عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، وجوههم كالقمر ليلة البدر ، وقلوبهم على قلب رجل واحد ، واستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفا " . قال أبو بكر :

فرأيت أن ذلك يأتي على أهل القرى ، ويصيب من حافات البوادي
.

وأخرج الإمام أحمد ، والطبراني عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" إن ربي أعطاني سبعين ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب " ، وقال عمرو :

يا رسول الله فهلا استزدته قال :

" قد استزدته فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفا " . قال عمرو فهلا استزدته ؟ قال : " قد استزدته فأعطاني هكذا ، وفرج بين يديه ، وبسط باعيه ، وحثا " قال هشام : هذا من الله ما يدرى ما عدده
.

وأخرج البزار عن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب " فقال أبو بكر :

يا رسول الله زدنا ، قال : " وهكذا " فقال عمر : يا أبا بكر إن شاء الله أدخلهم الجنة بحفنة واحدة
، وأخرج الإمام أحمد بسند حسن عن حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" إن ربي استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم ؟ فقلت ما شئت يا رب هم خلقك ، فقال :

لا نخزيك في أمتك ، وأخبرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب
" ، وأخرج هناد عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله يوم القيامة الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر فيقوم مناد ينادي :

أين الذين كانوا يحمدون الله على السراء والضراء ؟ فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يعود فينادي أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يعود فينادي ليقم الذين كانوا لا تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ، ثم يقوم سائر الناس [ ص: 180 ] فيحاسبون
" ورواه ابن أبي الدنيا ، وغيره .

وذكر الحافظ ابن رجب في كتابه لطائف المعارف فقال : قد روي أن المتهجدين يدخلون الجنة بغير حساب .

وذكر عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ، جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق :

سيعلم الخلائق اليوم من أولى بالكرم " فذكر الحديث ، قال الحافظ ابن رجب :

ويروى أيضا عن شهر بن حوشب عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من قوله ، ويروى نحوه من حديث ابن إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر مرفوعا وموقوفا ، ويروى نحوه أيضا عن عبادة بن الصامت وربيعة الجرشي والحسن وكعب من قولهم . قال الحافظ :

قال بعض السلف : قيام الليل يهون طول قيام يوم القيامة .

قال : وإذا كان أهله يسبقون إلى الجنة بغير حساب فقد استراح أهله من طول الوقوف للحساب ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية