[ ص: 175 ] ( الرابع ) اختلف عن المسئول عنه والمسئول ، فقال - رضي الله عنهما : ابن عباس
عن لا إله إلا الله . وقال الضحاك :
عن خطاياهم . وقال القرطبي :
عن جميع أقوالهم وأفعالهم ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا - فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) قال : الفخر الرازي
ولا معنى لقول من يقول : إن السؤال إنما يكون عن الكفر والإيمان ، بل السؤال واقع عنهما وعن جميع الأعمال ؛ لأن اللفظ عام فيتناول الكل ، والضمير في قوله : لنسألنهم عائد على جميع المكلفين الأنبياء وغيرهم ، ويدل على سؤالهم صريحا قوله تعالى ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) فهذه الآية تدل على أنه يحاسب كل عباده ، لأنهم لا يخرجون عن أن يكونوا مرسلين أو مرسلا إليهم ، ويبطل قول من زعم أنه لا حساب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ولا الكفار . انتهى .
والجواب أنه لا حساب على الأنبياء عليهم السلام على سبيل المناقشة والتقريع ، قال النسفي في بحر الكلام :
الأنبياء لا حساب عليهم ، وكذلك أطفال المؤمنين ، وكذلك العشرة المبشرين بالجنة .
هذا حساب المناقشة ، وعموم الآيات الكريمة مخصوص بأحاديث من يدخل الجنة بغير حساب ، ولهذا قال علماؤنا في عقائدهم :
ويحاسب المسلمون المكلفون إلا من شاء الله أن يدخل الجنة بغير حساب ، وكل مكلف مسئول ، يسأل من شاء من الرسل عن تبليغ الرسالة ، ومن شاء من الكفار عن تكذيب الرسل .
قال شيخ مشايخنا البدر البلباني في عقيدته :
الكفار لا يحاسبون بمعنى أن صحائف أعمالهم لا توزن ، وإن فعل كافر قربة من نحو عتق أو صدقة أو ظلمه مسلم رجونا له أن يخفف عنه العذاب . انتهى .
ولعل مراده غير عذاب الكفر . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في عقيدته الواسطية :
يحاسب الله تعالى الخلق ، ويخلو بعبده المؤمن ، ويقرره بذنوبه كما وصف ذلك في الكتاب والسنة . قال :
وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته ، وسيئاته فإنهم لا حسنات لهم ، ولكن تعد أعمالهم وتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها . انتهى .
وعن - رضي الله عنه : ما من عبد يخطو خطوة إلا ويسأل عنها ما أراد بها ، وعن عبد الله بن مسعود أبي [ ص: 176 ] هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " ، أخرجه إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة أن يقال له : ألم أصحح جسمك وأرويك الماء البارد ؟ والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسئلون عنه يوم القيامة ظل بارد ورطب وماء بارد الترمذي وابن حبان والحاكم والبغوي .
وأخرج الإمام أحمد والبيهقي وأبو نعيم عن الحسن مرفوعا : " " وأخرج ثلاث لا يحاسب بهن العبد : ظل خص يستظل به ، وكسرة يشد بها صلبه ، وثوب يواري به عورته البزار عن والطبراني رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عباس " وأخرج ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إن شاء الله إذا كان حلالا : الصائم والمتسحر والمرابط فى سبيل الله البزار أيضا ، وأبو نعيم بسند حسن عن أيضا - رضي الله عنهما - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما ابن عباس " . وأخرج فوق الإزار وجلف الخبز وظل الحائط وجر الماء فضل يحاسب به العبد يوم القيامة أو يسأل عنه بسند جيد عن الإمام أحمد أبى عسيب - رضي الله عنه - الأنصار ومعه أبو بكر وعمر ، فجاء صاحب الحائط بعذق فوضعه ، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، ثم دعا بماء بارد فشرب فقال : " لتسألن عن هذا يوم القيامة " فقيل : يا رسول الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : " نعم إلا من ثلاث : خرقة يكف بها عورته ، وكسرة يسد بها جوعته ، وجحر يدخل فيه من الحر والقر " وأخرج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل حائطا لبعض الطبراني والبزار والحاكم عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أبي هريرة ثلاث من كن فيه حاسبه الله حسابا يسيرا وأدخله الجنة برحمته - قالوا : وما هي ؟ قال تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، وفى ترغيب الأصبهاني عن أنس مرفوعا : " " ، وأخرج إن استطعت أن تمسي وتصبح وليس فى قلبك غش لأحد فافعل ، فإنه أهون عليك في الحساب البيهقي عن - رضي الله عنه - أنه قال أعرابي : يا رسول الله من يحاسب الخلق يوم القيامة ؟ قال : الله ، قال : نجونا ورب أبي هريرة الكعبة ، قال : وكيف يا أعرابي ؟ قال : لأن الكريم إذا قدر عفا . وما أحسن ما قيل من الحكم المدونة : الكريم إذا قدر غفر ، وإذا زللت معه ستر . ومنها : ليس من عادة الكرام سرعة الغضب والانتقام .