[ ص: 118 ] وإنما تنازعوا في المعدوم الممكن : هل هو شيء أم لا ؟ والتحقيق : أن ، كقوله تعالى : المعدوم ليس بشيء في الخارج ، ولكن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون ، ويكتبه ، وقد يذكره ويخبر به إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( الحج : 1 ) ، فيكون شيئا في العلم والذكر والكتاب ، لا في الخارج ، كما قال تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( يس : 82 ) ، قال تعالى : وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( مريم : 9 ) ، أي : لم تكن شيئا في الخارج وإن كان شيئا في علمه تعالى . وقال تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ( الدهر : 1 ) .
وقوله : ليس كمثله شيء ، رد على المشبهة . وقوله تعالى : وهو السميع البصير ( الشورى : 11 ) ، رد على المعطلة ، فهو سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال ، وليس له فيها شبيه . فالمخلوق وإن كان يوصف بأنه سميع بصير - فليس سمعه وبصره كسمع الرب وبصره ، ولا يلزم من إثبات الصفة تشبيه ، إذ صفات المخلوق كما يليق به ، وصفات الخالق كما يليق به .
ولا تنف عن الله ما وصف به نفسه ، وما وصفه به أعرف الخلق بربه وما يجب له وما يمتنع عليه ، وأنصحهم لأمته ، وأفصحهم وأقدرهم على البيان . فإنك إن نفيت شيئا من ذلك كنت كافرا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا وصفته بما وصف به نفسه فلا تشبهه بخلقه ، فليس كمثله شيء ، [ ص: 119 ] فإذا شبهته بخلقه كنت كافرا به .
قال شيخ نعيم بن حماد الخزاعي : البخاري ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس ما وصف الله به نفسه ولا ما وصفه به رسوله تشبيها . وسيأتي في كلام الشيخ من شبه الله بخلقه فقد كفر ، رحمه الله : " ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه " . الطحاوي