ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الاستفتاح : . أي : فإنك والخير كله بيديك ، والشر ليس إليك بل كل ما يخلقه ففيه حكمة ، هو باعتبارها خير ، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس ، فهذا شر جزئي إضافي ، فأما شر كلي ، أو شر مطلق - : فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه . وهذا هو الشر الذي ليس إليه . لا تخلق شرا محضا ،
ولهذا لا يضاف الشر إليه مفردا قط ، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات ، كقوله تعالى : الله خالق كل شيء [ الزمر : 62 ] كل من عند الله [ النساء : 78 ] وإما أن يضاف إلى السبب ، كقوله : من شر ما خلق [ الفلق : 2 ] وإما أن يحذف فاعله ، كقول الجن : وأنا [ ص: 518 ] لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا [ الجن : 10 ]
وليس إذا خلق ما يتأذى به بعض الحيوان لا يكون فيه حكمة ، بل لله من الرحمة والحكمة ما لا يقدر قدره إلا الله تعالى ، وليس إذا وقع في المخلوقات ما هو شر جزئي بالإضافة يكون شرا كليا عاما ، بل الأمور العامة الكلية لا تكون إلا خيرا أو مصلحة للعباد ، كالمطر العام ، وكإرسال رسول عام .
وهذا مما يقتضي أنه لا يجوز أن يؤيد كذابا عليه بالمعجزات التي أيد بها الصادقين ، فإن هذا شر عام للناس ، يضلهم ، فيفسد عليهم دينهم ودنياهم وأخراهم .
وليس هذا كالملك الظالم والعدو ، فإن الملك الظالم لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر من ظلمه ، وقد قيل : ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام ، وإذا قدر كثرة ظلمه ، فذاك خير في الدين ، كالمصائب ، تكون كفارة لذنوبهم ، ويثابون على الصبر عليه ، ويرجعون فيه إلى الله ، ويستغفرونه ويتوبون إليه ، وكذلك ما يسلط عليهم من العدو . ولهذا قد يمكن الله كثيرا من الملوك الظالمين مدة ، وأما المتنبئون الكذابون فلا يطيل تمكينهم ، بل لا بد أن يهلكهم ، لأن فسادهم عام في الدين والدنيا والآخرة ، قال تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين [ الحاقة : 44 - 46 ] .
وفي قوله : فمن نفسك - من الفوائد : أن العبد لا يطمئن إلى نفسه [ ص: 519 ] ولا يسكن إليها ، فإن الشر كامن فيها ، لا يجيء إلا منها ، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساءوا إليه ، فإن ذلك من السيئات التي أصابته ، وهي إنما أصابته بذنوبه ، فيرجع إلى الذنوب ، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله ، ويسأل الله أن يعينه على طاعته . فبذلك يحصل له كل خير ، ويندفع عنه كل شر .