وأما لفظ الأركان والأعضاء والأدوات - فيتسلط بها النفاة على نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية ، كاليد والوجه . قال أبو حنيفة رضي الله عنه في ( ( الفقه الأكبر ) ) : ، فهو له صفة بلا كيف ، ولا يقال : إن يده قدرته ونعمته ، لأن فيه إبطال الصفة ، انتهى . وهذا الذي قاله الإمام رضي الله عنه ، ثابت بالأدلة القاطعة ، قال تعالى : له يد ووجه ونفس ، كما ذكر تعالى في القرآن من ذكر اليد والوجه والنفس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) . والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ( الزمر : 67 ) . وقال تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه ( القصص : 88 ) . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ( الرحمن : 27 ) . [ ص: 265 ] وقال تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( المائدة : 116 ) . وقال تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة ( الأنعام : 54 ) . وقال تعالى : واصطنعتك لنفسي ( طه : 41 ) . وقال تعالى : ويحذركم الله نفسه ( آل عمران : 28 ) . وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة آدم فيقولون له : خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء ، الحديث . ولا يصح تأويل من قال : إن المراد باليد القدرة ، فإن قوله : لما يأتي الناس لما خلقت بيدي ( ص : 75 ) . لا يصح أن يكون معناه بقدرتي مع تثنية اليد ، ولو صح ذلك لقال إبليس : وأنا أيضا خلقتني بقدرتك ، فلا فضل له علي بذلك . فإبليس - مع كفره - كان أعرف بربه من الجهمية . ولا دليل لهم في قوله تعالى : أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ( يس : 71 ) . لأنه تعالى جمع الأيدي لما أضافها إلى ضمير الجمع ، ليتناسب الجمعان ، فاللفظان للدلالة على الملك والعظمة . ولم يقل : ( ( أيدي ) ) مضاف إلى ضمير المفرد ، ولا ( ( يدينا ) ) بتثنية اليد مضافة إلى ضمير الجمع . فلم يكن قوله : مما عملت أيدينا نظير قوله : لما خلقت بيدي . وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل : . حجابه النور ، ولو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
[ ص: 266 ] ولكن لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء ، أو جوارح ، أو أدوات ، أو أركان ، لأن الركن جزء الماهية ، والله تعالى هو الأحد الصمد ، لا يتجزأ - سبحانه وتعالى ، والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية ، تعالى الله عن ذلك ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : الذين جعلوا القرآن عضين ( الحجر : 91 ) . والجوارح فيها معنى الاكتساب والانتفاع . وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرة . وكل هذه المعاني منتفية عن الله تعالى ، ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى . فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني ، سالمة من الاحتمالات الفاسدة ، فكذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفيا ولا إثباتا ، لئلا يثبت معنى فاسد ، أو ينفى معنى صحيح . وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل .