ومن كلام رحمه الله في كتابه الذي سماه إحياء علوم الدين وهو من أجل كتبه ، أو أجلها : فإن قلت : أبي حامد الغزالي كعلم النجوم أو هو مباح أو مندوب إليه ؟ فاعلم أن للناس في هذا غلوا وإسرافا في أطراف . فمن قائل : إنه بدعة وحرام ، وإن العبد أن يلقى الله بكل ذنب سوى الشرك خير له من أن يلقاه بالكلام . ومن قائل : إنه فرض ، إما على الكفاية ، وإما على الأعيان ، وإنه أفضل الأعمال وأعلى القربات ، فإنه تحقيق لعلم التوحيد ونضال عن دين الله . قال : وإلى التحريم ذهب فعلم الجدل والكلام مذموم الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أئمة الحديث من السلف وساق الألفاظ عن هؤلاء . قال : وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا . لا ينحصر ما نقل عنهم من التشديدات فيه ، قالوا : ما سكت عنه الصحابة - مع أنهم أعرف بالحقائق وأفصح بترتيب الألفاظ من [ ص: 237 ] غيرهم - إلا لما يتولد منه من الشر . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : . أي المتعمقون في البحث والاستقصاء . واحتجوا أيضا بأن ذلك لو كان من الدين لكان أهم ما يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم طريقه ويثني على أربابه . ثم ذكر بقية استدلالهم ، ثم ذكر استدلال الفريق الآخر . إلى أن قال : فإن قلت : فما المختار عندك ؟ فأجاب بالتفصيل ، فقال : فيه منفعة ، وفيه مضرة ، فهو في وقت الانتفاع حلال أو مندوب أو واجب ، كما يقتضيه الحال . وهو باعتبار مضرته في وقت الاستضرار ومحله حرام . قال : فأما مضرته ، فإثارة الشبهات ، وتحريف العقائد وإزالتها عن الجزم والتصميم ، وذلك مما يحصل بالابتداء ، ورجوعها بالدليل مشكوك فيه ، ويختلف فيه الأشخاص . فهذا ضرره في اعتقاد الحق ، وله ضرر في تأكيد اعتقاد البدعة ، وتثبيتها في صدورهم ، بحيث تنبعث دواعيهم ويشتد حرصهم على الإصرار عليه ، ولكن هذا الضرر بواسطة التعصب الذي يثور من الجدل . هلك المتنطعون
[ ص: 238 ] قال : وأما منفعته ، فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف ، ولعل التخبيط والتضليل [ فيه ] أكثر من الكشف والتعريف . قال : وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا ، فاسمع هذا ممن خبر الكلام ، ثم قاله بعد حقيقة الخبرة وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين ، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر سوى نوع الكلام ، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود . ولعمري لا ينفك الكلام عن كشف وتعريف وإيضاح لبعض الأمور ، ولكن على الندور . انتهى ما نقلته عن الغزالي رحمه الله .