178 - وروى عن ابن جريج، محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، قال: سمعت يقول: عبد الله بن عباس إن هذا الركن الأسود، يمين الله في الأرض يصافح به عباده مصافحة الرجل أخاه.
اعلم أن هذا الخبر ليس على ظاهره، لأن إضافة الحجر إلى أنه صفة ذات هي يمين، يحيل صفاته ويخرجها عما تستحقه، لأن الحجر جسم مخلوق حال في مخلوق وفي الأرض، والقديم سبحانه تستحيل عليه هذه الصفات، ويفارق [ ص: 184 ] هذا ما تقدمه من إثبات اليمين في الخبر الذي قبله، وأن ذلك صفة ذات، لأنه لا يستحيل إضافتها إليه لأنها غير مستحيلة عليه، لأن إضافة اليمين إليه كإضافة اليد إليه، وذلك جائز، ومثل هذا غير موجود هاهنا.
يبين صحة هذا من كلام أحمد أن فسر قوله: ( وهو الله في السماوات وفي الأرض ) قال معناه: هو إله من في السماوات وإله من في الأرض، وهو على العرش، فلم يحمل قوله: "وفي الأرض" على ظاهره بل تأوله وبين أنه على العرش، فوجب أيضا أن يمتنع من إطلاق صفة ذات في الأرض تلمس في جهة من الجهات.
وقد قيل في تأويله أوجه أحدها: أن هذا على طريق المثل وأصله أن الملك كان إذا صافح رجلا قبل الرجل يده، فكأن الحجر لله سبحانه بمنزلة اليمين للملك يستلم ويلثم. وقد روي في الخبر أن الله، عز وجل، حين أخذ الميثاق من بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا: بلى جعل ذلك في الحجر الأسود ولذلك يقال إيمانا بك ووفاء بعهدك. [ ص: 185 ]
وقد قيل فيه وجه آخر وهو أنه يحتمل أن يكون معنى قوله: "الحجر يمين الله في أرضه" إنما أضافه إليه على طريق التعظيم للحجر وهو فعل من أفعال الله تعالى سماه يمينا فنسبه إلى نفسه، وأمر الناس باستلامه ومصافحته ليظهر طاعتهم بالايتمار وتقربهم إلى الله سبحانه، فيحصل لهم بذلك البركة والسعادة.
وقيل: فيه وجه آخر، وهو أن معنى قوله: "يمين الله" أمان الله، لأن الحجر من جملة البيت. وقد قال سبحانه ( ومن دخله كان آمنا ) ولا بأس بهذه الوجوه للمعنى الذي ذكرنا من امتناع إضافة ذلك إلى الله سبحانه.
ويبين صحة هذا ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم: "الحجر الأسود من ياقوت الجنة وإنما سودته خطايا بني آدم". وأيضا قول لأني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع. وهذا لا يقال في صفات القديم. [ ص: 186 ] [ ص: 187 ] عمر:
"حديث آخر"