الشبهة الثانية: أنهم قالوا إن الله عز وجل مستغن عن أعمالنا غير متأثر بها معصية كانت أو طاعة فلا ينبغي أن نتعب أنفسنا في غير فائدة.
وجواب هذه الشبهة أن تجيب أولا - بالجواب الأول، ونقول هذا رد على الشرع فيما أمر به فكأنا قلنا للرسول وللمرسل لا فائدة فيما أمرتنا به ثم نتكلم عن [ ص: 354 ] الشبهة فنقول من يتوهم أن الله جل وعلا ينتفع بطاعة أو يتضرر بمعصية أو ينال بذلك غرضا فما عرف الله جل جلاله لأنه مقدس عن الأعراض والأغراض ومن انتفاع أو ضرر وإنما نفع الأعمال يعود على أنفسنا كما قال عز وجل: ( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) ، ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) وإنما يأمر الطبيب المريض بالحمية لمصلحة المريض لا لمصلحة الطبيب وكما أن للبدن مصالح من الأغذية ومضار فللنفس مصالح من العلم والجهل والاعتقاد والعمل فالشرع كالطبيب فهو أعرف بما يأمر به من المصالح، هذا مذهب من علل وأكثر العلماء قالوا أفعاله لا تعلل وجواب آخر وهو أنه إذا كان غنيا عن أعمالنا كان غنيا عن معرفتنا له وقد أوجب علينا معرفته، فكذلك أوجب طاعته، فينبغي أن تنظر إلى أمره لا إلى الغرض بأمره .