قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا [ ص: 161 ] nindex.php?page=treesubj&link=29049قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن قرأ
ابن مسعود ونافع وأبو عمرو وابن كثير وزيد عن
يعقوب ، والمفضل عن
عاصم : ( رب ) بالرفع على الاستئناف ، الرحمن خبره . أو بمعنى : هو رب السماوات ، ويكون الرحمن مبتدأ ثانيا . وقرأ
ابن عامر ويعقوب وابن محيصن كلاهما بالخفض ، نعتا لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=36جزاء من ربك أي جزاء من ربك رب السماوات ( الرحمن ) . وقرأ
ابن عباس وعاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37رب السماوات خفضا على النعت ، الرحمن رفعا على الابتداء ، أي هو الرحمن . واختاره
أبو عبيد وقال : هذا أعدلها ; خفض رب لقربه من قوله : من ربك فيكون نعتا له ، ورفع الرحمن لبعده منه ، على الاستئناف ، وخبره
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37لا يملكون منه خطابا أي لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه . وقال
الكسائي :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37لا يملكون منه خطابا بالشفاعة إلا بإذنه . وقيل : الخطاب : الكلام ; أي لا يملكون أن يخاطبوا الرب سبحانه إلا بإذنه ; دليله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=105لا تكلم نفس إلا بإذنه . وقيل : أراد الكفار
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=37لا يملكون منه خطابا ، فأما المؤمنون فيشفعون .
قلت : بعد أن يؤذن لهم ; لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=109يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا .
nindex.php?page=treesubj&link=29049قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا " يوم " نصب على الظرف ; أي يوم لا يملكون منه خطابا يوم يقوم الروح . واختلف في الروح على أقوال ثمانية :
الأول : أنه ملك من الملائكة . قال
ابن عباس : ما خلق الله مخلوقا بعد العرش أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا ، فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم . ونحو منه عن
ابن مسعود ; قال : الروح ملك أعظم من السماوات السبع ، ومن الأرضين السبع ، ومن الجبال . وهو حيال السماء الرابعة ، يسبح الله كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة ; يخلق الله من كل تسبيحة ملكا ، فيجيء يوم القيامة وحده صفا ، وسائر الملائكة صفا .
الثاني : أنه
جبريل - عليه السلام - . قاله
الشعبي والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير . وعن
ابن عباس : إن عن يمين العرش نهرا من نور ، مثل السماوات السبع ، والأرضين السبع ، والبحار السبع ، يدخل
جبريل كل يوم فيه سحرا فيغتسل ، فيزداد نورا على نوره ، وجمالا على جماله ، وعظما على عظمه ، ثم ينتفض فيخلق الله من كل قطرة تقع من ريشه سبعين ألف ملك ، يدخل منهم كل يوم سبعون
[ ص: 162 ] ألفا البيت المعمور ،
والكعبة سبعون ألفا لا يعودون إليهما إلى يوم القيامة . وقال
وهب : إن
جبريل - عليه السلام - واقف بين يدي الله تعالى ترعد فرائصه ; يخلق الله تعالى من كل رعدة مائة ألف ملك ، فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسة رؤوسهم ، فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا : لا إله إلا أنت ; وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن في الكلام
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38وقال صوابا يعني قول :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=87لا إله إلا أنت .
والثالث : روى
ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
الروح في هذه الآية جند من جنود الله تعالى ، ليسوا ملائكة ، لهم رؤوس وأيد وأرجل ، يأكلون الطعام . ثم قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38يوم يقوم الروح والملائكة صفا فإن هؤلاء جند ، وهؤلاء جند . وهذا قول
أبي صالح ومجاهد . وعلى هذا هم خلق على صورة بني آدم ، كالناس وليسوا بناس .
الرابع : أنهم أشراف الملائكة ; قاله
مقاتل بن حيان .
الخامس : أنهم حفظة على الملائكة ; قاله
ابن أبي نجيح .
السادس : أنهم بنو آدم ، قاله
الحسن وقتادة . فالمعنى ذوو الروح . وقال
العوفي والقرظي : هذا مما كان يكتمه
ابن عباس ; قال : الروح : خلق من خلق الله على صور بني آدم ، وما نزل ملك من السماء إلا ومعه واحد من الروح .
السابع : أرواح بني آدم تقوم صفا ، فتقوم الملائكة صفا ، وذلك بين النفختين ، قبل أن ترد إلى الأجساد ; قاله عطية .
الثامن : أنه القرآن ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، وقرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا . و ( صفا ) : مصدر أي يقومون صفوفا . والمصدر ينبئ عن الواحد والجمع ، كالعدل ، والصوم . ويقال ليوم العيد : يوم الصف . وقال في موضع آخر :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك صفا صفا هذا يدل على الصفوف ، وهذا حين العرض والحساب . قال معناه
القتبي وغيره . وقيل : يقوم الروح صفا ، والملائكة صفا ، فهم صفان . وقيل : يقوم الكل صفا واحدا .
لا يتكلمون أي لا يشفعون
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38إلا من أذن له الرحمن في الشفاعة وقال صوابا يعني حقا ; قاله
الضحاك ومجاهد . وقال
أبو صالح : لا إله إلا الله . وروى
الضحاك عن
ابن عباس قال : يشفعون لمن قال لا إله إلا الله . وأصل الصواب . السداد من القول والفعل ، وهو من أصاب يصيب إصابة ; كالجواب من أجاب يجيب إجابة . وقيل : لا يتكلمون يعني الملائكة والروح الذين قاموا صفا ، لا يتكلمون هيبة وإجلالا
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=38إلا من أذن له الرحمن في الشفاعة وهم قد قالوا صوابا ، وأنهم يوحدون الله تعالى ويسبحونه . وقال
الحسن : إن الروح يقول يوم القيامة : لا يدخل أحد الجنة إلا بالرحمة ، ولا النار إلا بالعمل . وهو معنى قوله تعالى : وقال صوابا .
nindex.php?page=treesubj&link=29049قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39ذلك اليوم الحق أي الكائن الواقع
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=39فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا أي مرجعا بالعمل الصالح ; كأنه إذا عمل خيرا رده إلى الله - عز وجل - ، وإذا عمل شرا عده منه .
[ ص: 163 ] وينظر إلى هذا المعنى قوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=866601والخير كله بيديك ، والشر ليس إليك . وقال
قتادة : مآبا : سبيلا .
nindex.php?page=treesubj&link=29049قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40إنا أنذرناكم عذابا قريبا يخاطب كفار
قريش ومشركي العرب ; لأنهم قالوا : لا نبعث . والعذاب عذاب الآخرة ، وكل ما هو آت فهو قريب ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=46كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها قال معناه
الكلبي وغيره . وقال
قتادة : عقوبة الدنيا ; لأنها أقرب العذابين . قال
مقاتل : هي قتل
قريش ببدر . والأظهر أنه عذاب الآخرة ، وهو الموت والقيامة ; لأن من مات فقد قامت قيامته ، فإن كان من أهل الجنة رأى مقعده من الجنة ، وإن كان من أهل النار رأى الخزي والهوان ; ولهذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه [ بين وقت ذلك العذاب ; أي أنذرناكم عذابا قريبا في ذلك اليوم ، وهو يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، أي يراه ] ، وقيل : ينظر إلى ما قدمت فحذف إلى . والمرء هاهنا المؤمن في قول
الحسن ; أي يجد لنفسه عملا ، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملا ، فيتمنى أن يكون ترابا . ولما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ويقول الكافر علم أنه أراد بالمرء المؤمن . وقيل : المرء هاهنا :
أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط .
ويقول الكافر
أبو جهل . وقيل : هو عام في كل أحد وإنسان يرى في ذلك اليوم جزاء ما كسب . وقال
مقاتل : نزلت قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يوم ينظر المرء ما قدمت يداه في
nindex.php?page=showalam&ids=233أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا : في أخيه
الأسود بن عبد الأسد .
وقال
الثعلبي : سمعت
أبا القاسم بن حبيب يقول : الكافر : هاهنا إبليس وذلك أنه عاب
آدم بأنه خلق من تراب ، وافتخر بأنه خلق من نار ، فإذا عاين يوم القيامة ما فيه آدم وبنوه من الثواب والراحة ، والرحمة ، ورأى ما هو فيه من الشدة والعذاب ، تمنى أنه يكون بمكان آدم ، فيقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا قال : ورأيته في بعض التفاسير
nindex.php?page=showalam&ids=12851للقشيري أبي نصر . وقيل : أي يقول إبليس يا ليتني خلقت من التراب ولم أقل أنا خير من
آدم . وعن
ابن عمر : إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وحشر الدواب والبهائم والوحوش ، ثم يوضع القصاص بين البهائم ، حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء بنطحتها ، فإذا فرغ من القصاص بينها قيل لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يا ليتني كنت ترابا . ونحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - . وقد ذكرناه في كتاب ( التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ) ، مجودا والحمد لله . ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12940أبو جعفر النحاس : حدثنا
أحمد بن محمد بن نافع ، قال حدثنا
سلمة بن شبيب ، قال حدثنا
عبد الرازق ، قال حدثنا
معمر ، قال أخبرني
جعفر بن برقان الجزري ، عن
يزيد بن الأصم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : إن الله تعالى يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان ، ثم يقال للبهائم والطير كوني ترابا ، فعند ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) .
[ ص: 164 ] وقال قوم :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يا ليتني كنت ترابا : أي لم أبعث ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=25يا ليتني لم أوت كتابيه . وقال
أبو الزناد : إذا قضي بين الناس ، وأمر بأهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، قيل لسائر الأمم ولمؤمني الجن : عودوا ترابا ، فيعودون ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر حين يراهم
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=40يا ليتني كنت ترابا .
وقال
ليث بن أبي سليم : مؤمنو الجن يعودون ترابا . وقال
عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري والكلبي ومجاهد : مؤمنو الجنة حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها . وهذا أصح ، وقد مضى في سورة ( الرحمن ) بيان هذا ، وأنهم مكلفون : يثابون ويعاقبون ، فهم كبني آدم ، والله أعلم بالصواب .