قال فاعترض معترض ممن ينتحل أبو عبد الله : بمناقضة الشافعي في هذا الباب ، فقال : الشافعي لكانت صلاته غير جائزة ، وإذا كانت الصلاة في وقت الردة غير جائزة ، فغير جائز أن تجب عليه إعادتها في الوقت الثاني بعد إسلامه . المرتد في حال ردته لو صلى
فعارض هذا معارض ، يحتج للشافعي رضي الله عنه ، وقال : لا حجة لك فيما ذكرت ، لأنه ليس كل من كان لو صلى في وقت ، لم يجزه صلاته ، لا يجب عليه قضاؤها ، إذا هو تركها في ذلك الوقت .
من ذلك أن جنبا لو صلى ، وهو جنب قبل أن يتطهر ، لم يجزه صلاته ، ولو تركها ، فلم يصلها ، حتى ذهب الوقت ساهيا ، أو عامدا ، ثم اعتقل ، لوجب عليه قضاؤها .
وكذلك المحدث الذي لم يتوضأ ، وكذلك المرتد في حال ردته ، لا يجزئه صلاته ، حتى يسلم ، ثم يصلي كما كان الجنب ، وغير المتوضئ ، لا يجزئه صلاته في حال حدثه حتى يتطهر ، ثم يصلي .
فإن قال : إن الفرض على الجنب أن يتطهر ، ويصلي .
قيل : وكذلك المرتد ، الفرض عليه أن يسلم ، ويصلي ، وإن صلى قبل أن يسلم لم تجزه صلاته ، كما أن الجنب [ ص: 984 ] إن صلى قبل أن يغتسل لم تجزه صلاته .
ثم قال : الدليل على أن الصلاة لا تجب إعادتها على المرتد إذا أسلم أن المرتد في حال ردته كافر ، وعلى الكافر أن يسلم ، ثم يصلي ، وإذا صلى في حال كفره لم تجزه صلاته .
قال وهذا كلام مكرر ، قد مر بعضه فيما مضى ، وهو أن على الجنب أن يغتسل ، ثم يصلي ، كما كان على الكافر أن يسلم ، ثم يصلي . أبو عبد الله :
ثم قال : وقد أسلم ، من أسلم من أهل الكفر ، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة صلاة سلفت ، قال : فكذلك المرتد لا يجب عليه ذلك ، فجعل المرتد قياسا على الكافر الذي لم يسلم قط ، وهو يزعم أن القياس باطل ، لا يجوز العمل به ، وفي اقتياسه المرتد على الذي لم يسلم قط ، ترك لأصله ، وخروج من مذهبه .
وزعم أن الصلاة في حال الردة غير واجبة ، فغير واجب أن تعاد بعد الإسلام .
فقوله : إن الصلاة غير واجبة على المرتد خلاف ما دل عليه كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وخروج من المعقول ، والنظر . [ ص: 985 ]
ويلزمه أن يكون الرجل إذا ترك الصلاة ، وسائر الفرائض جاحدا لها مستكبرا عنها ، وهو يعلم أنها حق من عند الله تعالى ، وأصر على ذلك إلى أن مات ، لا يكون عاصيا لله تعالى في تركه الفرائض على هذا الوجه ، ولا ملوما ، ولا مذموما ، ولا معاقبا على ذلك ، بل يلزمه أن يزعم أن ذلك مباح له ، إذ كان غير واجب عليه .
فإن زعم أنه أول ما يترك الصلاة جاحدا لها ، كافر عاص ، ثم إذا كرر الجحود بها ، والترك لها لم يكن عاصيا .
قيل له : وكيف صار الترك الأول ، والجحود معصية ، والثاني لا معصية ، وهو مثل الأول ، سواء ترك كترك ، وجحود كجحود ، والنهي قائم عنهما جميعا ، وهو في جميع أحواله عالم بأن الصلاة ، وجميع الفرائض من عند الله تعالى ، قد أنزلها الله تعالى في كتابه ، وجاء بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإنه متعمد للكذب على الله تعالى عنادا ، وتكبرا عن قبول الحق ، والخضوع له .
من زعم أن هذا غير عاص لله تعالى في تركه الفرائض تكبرا ، وعنودا ، وجحودا ، خشيت أن يكون منسلخا من الإسلام . [ ص: 986 ]
ولعل هذا دين عارض رضي الله عنه بهذه العارضة ، يوهم أن الشافعي رضي الله عنه كان لا يوجب الفرائض على الكفار ، ولا يلزمهم المعصية في تركها ، والعقوبة في تضييعها ، وليس هذا من مذهب الشافعي ، بل مذهبه أن الفرائض من الصلاة ، والصيام ، وغيرهما لازمة لجميع الكفار ، وجميع ما حرم الله تعالى على المؤمنين ، حرام عليهم ، وهم معاقبون على تركهم الفرائض ، وجحودهم إياها معذبون على استحلالهم ما حرم الله تعالى من الزنا ، وقتل النفس التي حرم الله ، وشرب الخمر ، والدم ، وأكل الميتة ، والربا ، وغير ذلك مما حرم الله تعالى . الشافعي