1064 - حدثني أبو بكر أحمد بن منصور الرمادي ، قال : حدثنا قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، معلى بن زياد ، قال : لما كان من قتال يزيد خشيت أن أوخذ ، ففررت ، وتنكبت حلقة مخافة أن أوخذ فيها ، فأتيت منزله ، فدخلت عليه ، فقلت : يا الحسن كيف هذه الآية ؟ قال : أية آية ؟ قلت : قول الله تعالى : ( أبا سعيد ، وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان ) إلى قوله : ( لبئس ما كانوا يعملون لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ) .
قلت : يا سخط الله تعالى على هؤلاء لقولهم الإثم ، وأكلهم السحت ، وذم قراءها حين لم ينهوا ، فقال : [ ص: 975 ] [ ص: 976 ] ( أبا سعيد ، لبئس ما كانوا يصنعون ) ، فقال " يا عباد الله ، إن القوم عرضوا بالسيف ، فحال السيف دون الكلام " ، فقلت : يا الحسن : فهل تعرف لمتكلم فضلا ؟ فحدث أبا سعيد ، بحديثين : الحسن
1 - بحديث عن رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي سعيد الخدري " لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه ، أو شهده ، فإنه لا يقرب من أجل ، ولا يباعد من رزق أن يقال بحق " .
2 - وحدث بحديث آخر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 977 ] " ليس لمؤمن أن يذل نفسه " ، قيل : يا رسول الله ، وما إذلاله لنفسه ؟ قال : " يتعرض من البلاء ما لا يطيق " .
قلت : يا أبا سعيد ، يزيد الضبي ومقامه ، وكلامه ، فقال " إنه لم يخرج من السجن ، حتى ندم على مقالته ، فقمت من مجلسي ، فأتيت الحسن : يزيد ، فسلمت عليه ، وقلت : إني كنت عند آنفا ، فذكرتك له ، فقال : الحسن فقلت : نعم ، حتى نصبتك له نصبا ، قال : فما قال ؟ قلت : قال : أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته ، فقال الحسن ، يزيد : ما ندمت على مقالتي ، وايم الله لقد قمت مقامات خاطرت فيه بنفسي ، وما لقيت من إخواني أشد علي من مقامي عندي ، إن طائفة منهم قالوا : مراء ، وقالت طائفة أخرى : إني مجنون .
ثم حدث يزيد ، فقال : أتيت فقلت : يا الحسن ، قد غلبنا على كل شيء ، وعلى صلاتنا تغلب ؟ ثم قال أبا سعيد ، يا عبد الله ، إنك لن تضيع شيئا ، إنما تعرض [ ص: 978 ] نفسك لهم ، ثم أتيته مرة أخرى ، فقال لي مثل ذلك ، ثم أتيته مرة أخرى ، فقال لي مثل ذلك ، فقمت يوم الجمعة ، الحسن : والحكم بن أيوب يخطب الناس ، وكان ختن الحجاج ، وابن عمه ، فقلت : الصلاة يرحمك الله ، الصلاة ، فما عدا أن تكلمت ، جاؤوني يعدون من كل ناحية ، حتى أخذوا بلحيتي ، ورأسي ، وجعلوا يضربون وجهي ، وصدري ، وسكت الحكم ، وجاؤوني ، وفتح باب المقصورة ، ودخلت ، وقد ضربت حتى أقاموني بين يديه ، وهو على المنبر ، فقال لي الحكم : أمجنون أنت ؟ قلت : أصلح الله الأمير ، ما بي جنون ، قال : أما كنا في صلاة ؟ قلت : أصلح الله الأمير ، أليس أفضل الكلام كلام الله تعالى ؟ قال : بلى ، قلت : أرأيت لو أن رجلا صلى الغداة ، ثم نشر مصحفا ، فقرأ حتى يمسي ، لا يصلي بين ذلك ، أكان ذلك قاضيا عنه ؟ فقال الحكم : والله إني لأحسبك مجنونا ، قال : وأنس ، والله لجنب المنبر جالس على ذقته خرفة ، فناديت : يا يا أنس ، أذكرك الله ، فإنك رجل من أبا حمزة ، الأنصار ، وخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبحق قلت ، أم بباطل ، أبمعروف قلت ، أم بمنكر ؟ فوالله ما أجابني بكلمة ، قال : يقول الحكم : يا قال : لبيك ، [ ص: 979 ] أصلحك الله ، قال : وقد كان ذهب ميقات الصلاة ، قال : يقول أنس ، قد بقي من الشمس بقية ، فقال : احبساه ، وذهب بي إلى السجن ، وجاء إخواني ، والناس ، فشهدوا أني مجنون ، فكتب في إلى أنس : الحجاج أن رجلا من بني ضبة قام يوم الجمعة ، فتكلم ، وقد شهدت عندي الشهود العدول أنه مجنون ، فكتب الحجاج إلى الحكم : إن كانت شهدت عندك العدول أنه مجنون ، فخل سبيله ، وإلا فاقطع يديه ، ورجليه ، واصلبه ، فتركت ، فمكثت ما شاء الله تعالى ، ثم مات أخ لنا ، فصلينا عليه ، ثم جلسنا نذكر الله تعالى ، فلا والله ما شعر إلا نواصي الخيل ، وإذا الحكم بن أيوب قد اطلع في الخيل ، فلما رأوا سوادنا توجهوا نحونا ، فهرب كلهم ، وتركت وحدي ، وجاء الأمير حتى وقف علي ، فقال : ما كنتم تصنعون ؟ قلت : أصلح الله الأمير ، أخونا هذا مات ، فدفناه ، ثم قعدنا نذكر معادنا ، ونذكر ربنا ، ونذكر ما صار إليه أخونا ، فقال : ألا فررت كما فروا ؟ قلت : أصلح الله الأمير ، ما يفر بي ، أنا أبرأ من ذلك ، وآمن للأمير من ذاك ، قال : فما رأيته عرفني ، فقال عبد الملك بن المهلب - وهو صاحب الحربة - : أصلح الله الأمير ، أتدري من هذا ؟ قال : من هذا ؟ قال : هذا المتكلم يوم الجمعة ، قال : والآن تعود تعرض لي ، إنما [ ص: 980 ] علي يجترئ ، خذاه ، فأخذت ، فضربني أربعمائة ، حتى ما أدري متى رفعني ، ولا متى ضربني ، وهو واقف ، ثم بعث بي إلى الحجاج ، فبعثني إلى الحبس ، فما زلت في الحبس حتى مات الحجاج " .