قال ألست ترى أن الإنسان إذا علم أن رجلا صالحا ينظر إليه ، أو يسمع كلامه ، أمسك عن كل ما يخاف أن يمقته عليه ، أو يضع من قدره عنده ، ولو علم أنه يطلع على ما في ضميره لما أضمر إلا على ما يعلم أنه يحسنه عنده ، ويجمل ، وكذلك يستحي من الرجل الصالح من كل نقص في فضل ، إلا لمرض ، فأجمل النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الحياء من الله في هذه الكلمة ، أبو عبد الله : لأنه عالم بأن الله مطلع على ما في قلبه ، فلا يدع قلبه يضمر على شيء مما يكره إن عرض له رياء في عمل ، [ ص: 829 ] أو عجب ، أو كبر ، ذكر نظر الله إليه ، فاستحيى منه أن يرى ذلك في قلبه ، فتركه ، واستحيى أيضا من كل نقص يدخل فيه من فضول الدنيا ، أو من فضول الكلام ، وإن كان مباحا ، لأنه يعلم أن الله قد زهده في ذلك ، ورغبه في تركه ، فهو يستحي أن يراه راغبا فيما زهده فيه ، وكذلك إن خاف غيره ، استحيى منه أن يراه يخاف غيره ، أو يرجوه ، أو يطمع فيه ، وهذه فضيلة ليست بفرض . فمن استحيى من الله فيما يظهر ، وكل شيء ظاهر له ، كما يستحي من الرجل الصالح ، فقد استحيى من الله حق الحياء ،
من ذلك :