أمر التعبد :
ومنه أمر التعبد : قال الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) ، فهذا الأمر بخلاف الأمر الأول ، هذا وإن ترك أمره ، قاصدا لذلك ، كان عاصيا لله ، وذلك بتقدير العزيز العليم ، والأمر الأول هو أمر التكوين لا يجوز أن يكون من المأمور به خلاف ما أمر به ، والمأمورون بأمر التعبد يختلف أفعالهم ، فيطيع بعضهم ، ويعصي بعض ، وأمر التعبد يعيده مرة بعد أخرى ، ويكرره ، ويعد على العمل به ، ويوعد على ترك العمل به ، وأمر التكوين لا يكون إلا مرة واحدة ، ولا وعد فيه ، ولا وعيد ، ثم أمر تعبد ، يكون المأمور به بين أمرين : إن عمل بما أمره الله بنية وإرادة ، كان مطيعا لله عاملا [ ص: 558 ] له ، آمنوا بالله ورسوله ) ، ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ، وما أشبه ذلك ، أمر التعبد يكون على وجهين : أمر افتراض وإيجاب ، وأمر ندب واختيار ، فأمر الإيجاب نحو قوله : (
وأمر الندب والاختيار نحو قوله : ( ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ) ، ( وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه ) .
فقال رجل من أهل العلم بالتفسير : أدبار السجود الركعات بعد المغرب ، وأدبار النجوم الركعات قبل الفجر .
وقال بعضهم : هو التسبيح في أدبار الصلوات ، وكل ذلك تطوع ، وقال الله : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) ، فأمر به ، وأعلمه أنه نافلة . [ ص: 559 ] والدليل على إيجاب هذه وافتراضها تأكيد الله إياها بإعلامه افتراضها ، وتغليظه على تاركيها بالوعيد .