الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                    معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                    إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة

                                                                                                                                                                    البوصيري - شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري

                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                    [ 6322 / 1 ] قال محمد بن يحيى بن أبي عمر : وثنا محمد بن حرب بن سليم، حدثني [ ص: 20 ] ابن أبي الوزير - قال أبو عبد الله: قد سماه لي فنسيته - عن جميع بن عمير العجلي، عن رجل من ولد أبي هالة من أهل مكة، عن أبيه قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنه قال: سألت خالي هند بن أبي هالة رضي الله عنه عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وصافا، وأنا أرجو أن يصف لي منه شيئا أتعلق به - فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشروب، عالي الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر، عريض الصدر، مسجيا بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور التجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن (في المندثتين ) مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، شثن الكفين والقدمين، سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، إذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقي بالسلام. قال: قلت: صف لي منطقه. قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام فصلا لا فضول فيه ولا تقصير، دمثا ليس بالجافي ولا المهين، يعظم النعمة وإن دقت؛ ولا يذم منها شيئا، غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا نوزع الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها؛ [ ص: 21 ] يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام. قال: فكتمتها بالحسن زمانا ثم حدثته بها، فوجدته قد سبقني إليه فسأله عن مسألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئا. قال الحسن: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله - عز وجل - وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، يتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، يثبت الله قدميه يوم القيامة. لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون عليه روادا، ولا يفترقون إلا عن ذواق، يخرجون أدلة - يعني على الخير - قال: قلت له: أخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم، ولا ينفر، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد - أو غناء، الشك من محمد بن أبي عمر - لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه إلى غيره، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة. قال: فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، لا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي إليه المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قادمه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه [ ص: 22 ] الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم ولا تثنى فلتاته معتدلين مصونين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. قال: فسألته عن سيرته في جلسائه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: من الرياء، والإكثار فيما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا، ولا يعيره ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق وجلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، وحديثهم عنده حديث أوليتهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إن كان أصحابه ليرثون له، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه. ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام. قال: قلت: كيف كان سكوته؟ قال: كان سكوته على أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكير، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكيره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه ولا يستفزه، وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته، والقيام لهم فيما جمع لهم من أمر الدنيا والآخرة".

                                                                                                                                                                    [ 6322 / 2 ] قال: وحدثني عمرو بن خالد القرشي، حدثني عبد المطلب بن مطرف الرؤاسي، عن عمرو بن محمد العنقزي، عن جميع بن عمير العجلي - من بني صنيعة - عن يزيد بن فلان التميمي - من ولد أبي هالة - عن أبيه، عن الحسن بن علي مثله أو نحوه إلا أنه قال: "ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه ومجلسه وسكتته".

                                                                                                                                                                    [ ص: 23 ]

                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية